للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع حريق في شونة حلفاء بمصر مجاورة لمطابخ السّكّر السّلطانية. فركب القاضي علم الدّين بن زنبور ناظر الخاصّ في جماعة، وخرج عامّة أهل مصر وتكاثروا على الشّونة حتى طفئت. ووقع الحريق في عدّة أماكن بمصر، واستمرّ الحريق بمصر والقاهرة مدّة شهر من ابتدائه بالبندقانيين ولم يعلم له سبب (١).

واستمرّ أكثر خطّ البندقانيين خرابا إلى أن عمّر الأمير يونس النّوروزي، دوادار الملك الظّاهر برقوق، الرّبع فوق بئر الدّلاء التي كانت تعرف ببئر زويلة، وأنشأ بجوار درب الأنجب الحوانيت والرّباع والقيساريّة في سنة تسع وثمانين وسبع مائة.

ثم أنشأ الأمير شهاب الدّين أحمد الحاجب، ابن أخت الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار، داره بجوار حمّام ابن عبّود، فاتّصل ظهرها بدكاكين البندقانيين، فصار فيها ما كان من خراب الحريق هناك حيث الحوض الذي أنشأه تجاه دار بيبرس.

ولقد أدركنا في خطّ البندقانيين عدّة كثيرة من الحوانيت التي يباع فيها الفقّاع تبلغ نحو العشرين حانوتا. وكانت من أنزه ما يرى، فإنّها كانت كلّها مرخّمة بأنواع الرّخام الملوّن، وبها مصانع من ماء تجري إلى فوّارات تقذف بالماء على ذلك الرّخام حيث كيزان الفقّاع مرصوصة، فيستحسن منظرها إلى الغاية، لأنّها من الجانبين والنّاس يمرّون بينهما.

وكان بهذا الخطّ عدّة حوانيت لعمل (a) قسيّ البندق، وعدّة حوانيت لرسم أشكال ما يطرّز بالذّهب والحرير، وقد بقيت من هذه الحوانيت بقايا يسيرة. وهو من أخطاط القاهرة الحشمة (b).

خطّ دار الدّيباج

هذا الخطّ هو فيما بين خطّ البندقانيين والوزيرية، وكان أوّلا يعرف بخطّ دار الدّيباج، لأنّ دار الوزير يعقوب بن كلّس - التي من جملتها اليوم المدرسة الصّاحبيّة ودرب الحريري والمدرسة السّيفيّة - عملت دارا ينسج فيها الدّيباج والحرير برسم الخلفاء الفاطميين، وصارت تعرف بدار


(a) بولاق: تعمل.
(b) بولاق: الجسيمة.
(١) انظر كذلك خبر هذا الحريق عند المقريزي: السلوك ٨١٦: ٢ - ٨١٨؛ ابن إياس: بدائع الزهور ١/ ٥٣٥: ١ - ٥٣٦.