للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المواضع التي بها الحريق كعكات بزيت وقطران، فعلم أنّ هذا من فعل النّصارى، كما وقع في الحريق الذي كان في أيام الملك النّاصر، وقد ذكر في خبر البركة (a) النّاصرية (١).

فنودي في النّاس أن يحترسوا على مساكنهم. فلم يبق أحد من النّاس، أعلاهم وأدناهم، حتى أعدّ في داره أوعية ملآنة بالماء ما بين أحواض وأزيار، وصاروا يتناوبون السّهر في اللّيل، ومع ذلك فلا يدري أهل البيت إلاّ والنّار قد وقعت في بيتهم، فيتداركون طفأها لئلاّ تشتعل ويصعب أمرها.

وترك جماعة من النّاس الطّبخ في الدّور، وتمادى ذلك في النّاس من نصف صفر إلى عاشر ربيع الأوّل. فأحضر الأمير سيف الدّين قشتمر (b) شادّ الدّواوين نشّابة في وسطها نفط قد وجدها في سطح داره، فأراها للأمراء وهي محروقة النّصل. فصدر أمر الوزير منجك للأمير علاء الدّين عليّ بن الكوراني والي القاهرة بالقبض على الحرافيش (٢)، وتقييدهم وسجنهم خوفا من غائلتهم ونهبهم النّاس عند وقوع الحريق. فتتبّعهم وقبض عليهم في اللّيل من بيوتهم ومن الحوانيت حتى خلت السّكك منهم. ثم إنّ الأمراء كلّموا الوزير في أمرهم، فأمر بإطلاقهم، ونودي في البلد ألاّ يقيم فيها غريب، وطلبوا الخفراء وولاة المراكز وأمروا بالاحتفاظ وتتبّع النّاس، وأخذ من يتوهّم فيه ريبة أو ينكر شيء من أمره. هذا وأمر (c) الحريق في تزايد، وصار والي القاهرة من ذلك في تعب كبير، لا ينام هو ولا أعوانه في اللّيل ألبتّة لكثرة الصّيحات (d) في اللّيل.


(a) بولاق: السيرة.
(b) بولاق: تشتمر.
(c) ساقطة من بولاق.
(d) بولاق: الضجات.
(١) فيما يلي ٥٥٠، ٥١٢: ٢ - ٥١٣.
(٢) الحرفوش ج. الحرافيش. مصطلح يدل على الفئة الدّنيا من طبقات المجتمع في العصر المملوكي، مثل: المتشرّدين أو السّوقة أو الأوغاد … وهو مصطلح يقابلنا في الحوليات والمؤلّفات الأخرى التي كتبت في العصر المملوكي اعتبارا من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي في مصر والشّام، وآخر المؤلّفين الذين استخدموا هذا المصطلح بهذا المعنى ابن إياس.
ويمثّل الحرافيش جماعات انتشرت في المراكز العمرانية، على الأخصّ في القاهرة ودمشق، تتألّف من المتسوّلين المحترفين وذوي العاهات والمتعطّلين والعاهرات. ويبدو أنّ الحرافيش قد شكّلوا نوعا من الطّائفة كان برأسها شيخ يطلق عليه «سلطان الحرافيش»؛ كما شكّلوا جماعة خطيرة كانت تساهم في الفتن الشعبية وفي عمليات النّهب. ولضبط هذه العناصر المتمرّدة والمنظّمة في الوقت نفسه، كان السّلاطين وكبار الأمراء يتصدّقون عليهم، كما كان يتولّى النّفقة عليهم في فترات المجاعات الأمراء وكبار التّجّار. (راجع، Brinner، W.M.، «The Significance of the Harafish and their Sultan»، JESHOVI (١٩٦٣)، PP. ١٩٠ - ٢١٥، Id.، El ٢ art.Harfush III، p. ٢١١ - ١٢.؛ وفيما يلي ٧: ٥٠٠، ١٨: ٥٥٣).