للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهبها، واجتمع النّاس فلم يعرف من أين كان ابتداء الحريق. واتّفق هبوب رياح عاصفة، فحملت شرر النّار إلى أمد بعيد، ووصلت أشّعتّها إلى أن رئيت من القلعة. فركب الوزير منجك بمماليك الأمراء، وجمعت السّقّاؤون لطفي النّار، فعجزوا عن إطفائها.

واشتدّ الأمر فركب الأمير شيخو والأمير طاز والأمير مغلطاي أميرا خور، وترجّلوا عن خيولهم، ومنعوا النّهّابة من التعرّض إلى نهب البيوت التي احترقت. وعمّ الحريق دكاكين البندقانيين ودكاكين الرّسّامين وحوانيت الفقّاعيين والفندق المجاور لها والرّبع علوّه، وعملت إلى الجانب الذي يلي بيت بيبرس ركن الدّين الملقّب بالملك المظفّر، والرّبع المجاور له إلى زقاق الكنيسة. فما زال الأمير شيخو واقفا بنفسه ومماليكه ومعه الأمراء إلى أن هدم ما هنالك؛ والنّار تأكل ما تمرّ به إلى أن وصلت إلى بئر الدّلاء - التي كانت تعرف قديما ببئر زويلة، ومنها كان يستقى لإسطبل الجمّيزة - فأحرقت ما جاور البئر من الأماكن إلى حوانيت الفكّاه والطّبّاخ وما يجاورهما من الحوانيت والرّبع المجاور لدار الجوكندار، وكادت أن تصل إلى دار القاضي علاء الدّين عليّ بن فضل اللّه كاتب السّرّ، المجاورة لحمّام الشّيخ نجم الدّين بن عبّود (١).

ولم يبق أحد في ذلك الخطّ حتى حوّل متاعه خوفا من الحريق. فكان أهل البيت/ بينما هم في نقل ثيابهم، وإذا بالنّار قد أحاطت بهم، فيتركون ما في الدّار وينجون بأنفسهم، والأمر يعظم والهدم واقع في الدّور المجاورة لأماكن الحريق خشية من تعلّق النّار بها، فسرى إلى جميع البلد إلى أن أتى الهدم على سائر ما كان هنالك. فأقام الأمر كذلك يومين وليلتين والأمراء وقوف. فلمّا خفّ انصرف الأمراء، ووقف والي القاهرة ومعه عدّة من الأمراء لطفي ما بقي، فاستمرّوا في طفئه ثلاثة أيام أخر.

وكان المصاب بهذا الحريق عظيما تلف فيه للنّاس من المال والثّياب والمصاغ وغيره بالحريق والنّهب ما لا يعلم قدره إلاّ اللّه. هذا مع ما كان فيه الأمراء من منع النّهّابة، وكفّهم عن أموال النّاس، إلاّ أنّ الأمر كان قد تجاوز الحدّ، وعطب بالنّار جماعة كثيرة، ووصل حريق النّار إلى قيسارية طشتمر وربع بكتمر السّاقي.

فلمّا كفى اللّه أمر هذا الحريق، وأعان على طفئه، بعد أن هدمت عدّة أماكن جليلة ما بين رباع وحوانيت، وقع الحريق في أماكن من داخل القاهرة وخارج باب زويلة. ووجد في بعض


(١) واسمه علاء الدّين علي بن الكوراني (فيما يلي ٩: ٩١).