وأوّل من علمته خلع عليه من أهل الدّول جعفر بن يحيى البرمكي، وذلك أنّ أمير المؤمنين هارون الرّشيد قال في اليوم الذي انعقد له فيه الملك: يا أخي يا جعفر، قد أمرت لك بمقصورة في داري وما يصلح لها من الفراش، وعشر جوار تكن فيها ليلة مبيتك عندنا. فقال: يا أمير المؤمنين ما من نعمة متواترة ولا فضل متظاهر، إلاّ ورأي أمير المؤمنين أجمل وأتمّ.
ثم انصرف وقد خلع عليه الرّشيد، وحمل بين يديه مائة بدرة دراهم ودنانير، وأمر النّاس فركبوا إليه حتى سلّموا عليه، وأعطاه خاتم الملك ليختم به على ما يريد. فبلغ بذلك صيته أقطار الأرض، ووصل إلى ما لم يصل إليه كاتب بعده. فاقتدى بالرّشيد من بعده، وخلعوا على أولياء دولتهم وولاة أعمالهم. واستمرّ ذلك إلى اليوم.
وأوّل ما عرف شدّ السّيوف في أوساط الجند، أنّ سيف الدّين غازي بن عماد الدّين أتابك زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل، أمر الأجناد ألاّ يركبوا إلاّ بالسّيوف في أوساطهم والدّبابيس تحت ركبهم. فلمّا فعل ذلك اقتدى به أصحاب الأطراف. وهو أيضا أوّل من حمل على رأسه الصّنجق في ركوبه.
وغازي (١) هذا هو أخو الملك العادل نور الدّين محمود بن زنكي، ومات في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمس مائة، وولي الموصل بعده أخوه قطب الدّين مودود.
سوق الحوائصيّين
هذا السّوق يتّصل بسوق الشّرابشيّين، وتباع فيه «الحوائص» - وهى التي كانت تعرف بالمنطقة في القديم - فكانت حوائص الأجناد أوّلا أربع مائة درهم فضّة ونحوها. ثم عمل المنصور قلاوون حوائص الأمراء الكبار ثلاث مائة دينار، وأمراء الطّبلخانات مائتي دينار، ومقدّمي الحلقة من مائة وسبعين إلى مائة وخمسين دينارا.
(١) سيف الدّين غازي بن عماد الدّين زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل، راجع أخباره عند، ابن الأثير: التاريخ الباهر ٨٦ - ٩٣؛ ابن واصل: مفرج الكروب ١١٦: ١؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٣: ٤ - ٤؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ١٩٢: ٢٠ - ١٩٣. وانظر كذلك أخبار أخيه مودود عند، ابن خلكان: وفيات الأعيان ٣٠٢: ٥، ٣٠٣؛ ابن واصل: مفرج الكروب ١٧٧: ١، ١٨٨ - ١٩٠؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٥٢١: ٢٠ - ٥٢٢.