للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخليج الحاكمي، والحبّانيّة والصّليبة والتّبّانة، ومشهد السّيّدة نفيسة، وباب القرافة، وأرض الطّبّالة، والخليج النّاصريّ، والمقس والدّكّة، وغير ذلك مما يأتي ذكره إن شاء اللّه.

وقد أدركنا هذه المواضع وهي عامرة، والمشيخة تقول هي خراب بالنسبة لما كانت عليه قبل حدوث طاعون سنة تسع وأربعين وسبع مائة، الذي يسمّيه أهل مصر «الفناء الكبير» (١)، وقد تلاشت هذه الأماكن، وعمّها الخراب منذ كانت الحوادث بعد سنة ستّ وثمان مائة؛ وللّه عاقبة الأمور.

ذكر بناء القاهرة وما كانت عليه في الدّولة الفاطميّة

وذلك أنّ القائد جوهرا الكاتب، لمّا قدم الجيزة بعساكر مولاه الإمام المعزّ لدين اللّه أبي تميم معدّ، أقبل في يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وسارت عساكره بعد زوال الشّمس، وعبرت الجسر أفواجا، وجوهر في فرسانه، إلى المناخ الذي رسم له المعزّ موضع القاهرة الآن، فاستقرّ هنالك (a) واختطّ القصر. وبات المصريون، فلمّا أصبحوا حضروا للهناء، فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل، وكانت فيه إزورارات غير معتدلة، فلمّا شاهدها جوهر لم تعجبه، ثم قال: «قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة»، فتركه على حاله وأدخل فيه دير العظام (٢).

ويقال إنّ القاهرة اختطّها جوهر في يوم السبت لستّ بقين من جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين، واختطّت كلّ قبيلة خطّة عرفت بها: فزويلة بنت الحارة المعروفة بها، واختطّت جماعة من أهل برقة الحارة البرقيّة، واختطّت الرّوم حارتين: حارة الرّوم الآن، وحارة الرّوم الجوّانيّة بقرب باب النّصر (٣).

وقصد جوهر باختطاط القاهرة حيث هي اليوم أن تصير حصنا فيما بين القرامطة وبين مدينة مصر ليقاتلهم من دونها، فأدار السّور اللّبن على مناخه الذي نزل فيه بعساكره، وأنشأ من داخل


(a) بولاق: هناك.
(١) انظر فيما يلي ٢٢٤.
(٢) انظر فيما يلي ٢٨٥. وحول تأسيس مدينة القاهرة راجع الدراسات الآتية، Crewell، K.A.C.، «The Foundation-of Cairo»، Bull.of the Fac.of Arts Univ.of Egypt I (١٩٣٣)، pp. ٢٥٨ - ٨١، id.، «The Founding of Cairo»، CIHC، pp. ١٢٥ - ٣٠; Fu'a? d l'e? poque fatimide/ pp. ١٤١ - ٢٠٧.
(٣) انظر خبر هذه الحارات في أوّل المجلد الثالث فيما يلي.