استأجر أرض البركة - بعدما غرسها بالأشجار - إجارة ثانية، اشترط البناء على ثلاثة أفدنة في جانب البستان الغربي وفدّان في جانبه البحري، ونادى في النّاس بتحكيره، وأرخص سعر الحكر، وجعل حكر كلّ مائة ذراع عشرة دراهم.
فهرع النّاس إليه، واحتكروا منه المواضع، وبنوا فيها الدّور المطلّة على النّيل. فاستغنى بالعمائر عن عمل الجسر في كلّ سنة بين البحر والبستان الذي أنشأه، وبقي اسم الجسر عليه إلى يومنا هذا. إلاّ أنّ الآدرّ التي كانت هناك خربت منذ انطرد النّيل عن البرّ الغربي، بعدما بلغ ذلك الخطّ الغاية في العمارة، وكان سكن الوزراء والأعيان من الكتّاب وغيرهم.
[الجسر الأعظم]
هذا الجسر في زماننا هذا قد صار شارعا مسلوكا يمشى فيه من الكبش إلى قناطر السّباع.
وأصله جسر يفصل بين بركة قارون وبركة الفيل (١)، وبينهما سرب يدخل منه الماء، وعليه أحجار يراها من يمرّ هناك، وبلغني أنّه كان هناك قنطرة مرتفعة، فلمّا أنشأ الملك النّاصر محمد ابن قلاوون الميدان السّلطاني عند موردة البلاط، أمر بهدم القنطرة فهدمت، ولم يكن إذ ذاك على بركة الفيل من جهة الجسر الأعظم مبان، وإنّما كانت ظاهرة يراها المارّ. ثم أمر السّلطان بعمل حائط قصير بطولها، فأقيم الحائط وصفّر بالطين الأصفر، ثم حدثت الدّور هناك.
الجسر بأرض الطّبّالة
هذا الجسر يفصل بين بركة الرّطلي وبين الخليج/ النّاصريّ، أقامه الأمير الوزير سيف الدّين بكتمر الحاجب، في سنة خمس وعشرين وسبع مائة لمّا انتهى حفر الخليج النّاصريّ، وأذن للنّاس في البناء عليه، فحكر وبنيت فوقه الدّور، فصارت تشرف على بركة الرّطلي وعلى الخليج، وتجتمع العامّة تحت مناظر الجسر، وتمرّ بحافة الخليج للنّزهة. فكثر اغتباط غوغاء النّاس وفسّاقهم بهذا الجسر إلى اليوم. وهو من أنزه فرج القاهرة، لولا ما عرف به من القاذورات الفاحشة.
(١) يدلّ على موضع الجسر الأعظم الآن، والشارع الذي كان يسلك فيه من الكبش إلى قناطر السّباع، شارع عبد المجيد اللّبّان (مراسينا سابقا)، الذي يوصّل بين ميدان السّيّدة زينب (حيث كانت قناطر السّباع) وبين جامع سنجر الجاولي (الواقع تحت قلعة الكبش)، وهناك يتقابل مع شارع الخضيري. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٩١: ٧ هـ ٤).