وبلغني عن شيخ كان بهذا السّوق أنّه أوصى بعض صبيانه فقال له: يا بنيّ لا تراع أحدا في بيع فإنّه لا يحتاج إليك إلاّ مرّة في عمره، فخذ عدلك في ثمن المحارة فإنّك لا تخشى من عوده مرّة أخرى إليك، وسوف إذا عاد من سفره - إمّا إلى الحجاز أو القدس - فإنّه يحتاج إلى بيعها، فتراقد عليه في ثمنها، واشترها بالرّخيص. وكذلك يفعل أهل هذا السّوق إلى اليوم، فإنّهم لا يراعون بائعا ولا مشتريا. إلاّ أنّ سوقهم لم يبق كما أدركناه، فإنّه حدث سوق آخر يباع فيه المحاير بسوق الجامع الطّولوني، وصار بسوق الخيميّين أيضا صنّاع/ للمحاير.
وبلغني أنّ بالمحايريين هذه أوقف أهل مصر امرأة من جريد مؤتزرة، بيدها ورقة فيها سبّ الخليفة الحاكم بأمر اللّه ولعنه، عندما منع النّساء من الخروج في الطّرقات. فعندما مرّ من هناك حسبها امرأة تسأله حاجة، فأمر بأخذ الورقة منها، فإذا فيها من السّبّ ما أغضبه، فأمر بها أن تؤخذ فإذا هي من جريد قد ألبس ثيابا وعمل كهيئة امرأة. فاشتدّ عند ذلك غضبه، وأمر العبيد بإحراق مدينة مصر، فأضرموا فيها النّار.
ولم أقف على هذا الخبر مسطورا. وقد ذكر المسبّحيّ حريق الحاكم بأمر اللّه لمصر، ولم يذكر قصّة المرأة (١).
الصّاغة
هذا المكان تجاه المدارس الصّالحيّة بخطّ بين القصرين.
قال ابن عبد الظّاهر (a)) في كتاب «خطط القاهرة» (a): الصّاغة بالقاهرة كانت مطبخا للقصر يخرج إليه من باب الزّهومة - وهو الباب الذي هدم وبني مكانه قاعة شيخ الحنابلة من المدارس الصّالحية - وكان يخرج من المطبخ المذكور مدّة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان في كلّ يوم تفرّق على أرباب الرّسوم والضّعفاء، وسمّي باب الزّهومة - أي باب الزّفر - لأنّه (b) لا يدخل باللّحم وغيره إلاّ منه فاختصّ بذلك (٢). انتهى.
(a-a) إضافة من مسودة الخطط. (b) لأنه: ساقطة من المسودة وآياصوفيا وباريس. (١) راجع حول حريق الفسطاط في زمن الحاكم بأمر اللّه Fu'ad Sayyid، A.، La Capitale de l'Egypte، pp. ٦١٤ - ١٦؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ١٧٥ - ١٧٦. (٢) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٥٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٤٦: ٣؛ المقريزي: مسودة المواعظ ١٢٠، -