قيل معنى ليلة القدر، أي اللّيلة التي يقدّر اللّه لملائكته جميع ما يجري على أيديهم من تدبير أمور بني آدم، محياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السّنة الآتية. وقيل لها ليلة القدر - بسكون الدّال - لأنّه أريد به تفصيل ما قد جرى به القضاء وتحديده ليكون ما يلقى إلى الملائكة في السّنة مقدّرا بمقدار، وما كان على هذا المعنى فهو القدر بتسكين الدّال. يقال: قدرته أقدره قدرا، كما يقال حزرته أحزره حزرا، ومنه ﴿وَما قَدَرُوا اَللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الآية ٩١ سورة الأنعام]، أي: ما عظّموه حقّ تعظيمه وما عرفوه حقّ معرفته.
وقيل: معنى ليلة القدر تقدير كلّ ما ينزل من القرآن فيها إلى مثلها من السّنة القابلة، وأنّ معنى ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الآية ٤ سورة الدّخّان]، أي يفصّل أجزاء القرآن، فيكون ذلك الفصل وذكر الفرق أمرا حكيما. وقيل ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، أي: إنّها ليلة مباركة لأنّه مبارك فيها لأولياء اللّه، فإنّها جعلت خيرا من ألف شهر إذا أحيوها وقدروها حقّ قدرها بأن قطعوها بالصّلاة وتلاوة القرآن وذكر اللّه ولم يلهوا ولم يلغوا، فيكون ما فعلوه فيها من العبادة كأنّهم فعلوه في ألف شهر. ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، أي: كلّ أمر مبني على السّداد، والحكيم بمعنى محكم، وقيل: سائر ما يجري على أيدي الملائكة من تدبير أهل الأرض إنّما يكون في ليلة النّصف من شعبان فهي اللّيلة التي فيها يفرق كلّ أمر حكيم لا ليلة القدر التي في شهر رمضان التي هي خير من ألف شهر. وتسمّى «ليلة النّصف من شعبان» ليلة الصّك وليلة الآجال والأرزاق وليلة فكّ العاني ونصرة المظلوم.
ينبغي للصّائم أن يصوم بجميع جوارحه، فكما لا يأكل ولا يشرب ولا يجامع أهله، فكذلك يصوم ببشرته فلا يفضي بها إلى بشرة أهله بشهوة، وبعينه فلا ينظر لأهله بشهوة، وبقلبه فلا يتفكّر في محاسن أهله لئلاّ تغلبه الشّهوة فيفسد صومه أو تبدر منه الخيانة فيكون قد قضى شهوته وأبطل بترك الصّبر أجره. ويصوم أيضا بلسانه فلا يغتاب ولا يسبّ ولا يخاصم ولا يكذب ولا يدرج زمانه بإنشاد الأشعار ورواية الأسمار والمضاحك، والثّناء على من لا يستحق الثّناء، والمدح والذّمّ بغير حقّ. وبيده فلا يمدّها إلى باطل، وبرجله فلا يمشي إلى باطل، وبجميع قوى بدنه فلا يستعملها في باطل، قال رسول اللّه ﷺ:«من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» إلى غير ذلك من كلامه.