وقد اختصر المملوك فيما ذكره، والذي باسمه أكثر. وإذا أمر بكشف ذلك من الدّواوين، تبينّ صحّة قول المملوك، وعلم أنّه ممّن يتجنّب قول المحال ولا يرضاه لنفسه، سيّما إن رفعه إلى المقام الكريم».
وشفع ذلك بكثرة القول فيهم، وعرض بالقبض عليهم، وأوجب على نفسه أنّه يثبت في جهاتهم من الأموال التي تخرج عن هذا الإنعام، ما يجده حاضرا مدخورا عند من يعرفه مائة ألف دينار.
فلم يسمع كلامه إلى أن ظهر الرّاهب في الأيام الآمرية، فوجد هو وغيره الفرصة فيهم، وكثّروا الرفايع (a) عليهم، فقبض عليهم عن آخرهم ومن يعرفهم، وأخذ منهم الجملة الكبيرة، ثم بعد ذلك عادوا إلى خدمهم بما كان من أسمائهم، وتجدّد من جاههم، وانتقامهم من أعدائهم أكثر ممّا كان أوّلا. انتهى (١).
فانظر - أعزّك اللّه - إلى سعة أحوال الدّولة من معلوم رجل واحد من كتّاب دواوينها، يتبيّن لك - بما تقدّم ذكره في هذه المرافعة - من عظم الشأن وكثرة العطاء، ما يكون دليلا على باقي أحوال الدّولة.
ديوان النّظر
قال ابن الطّوير: أمّا دواوين الأموال فإنّ أجلّها من يتولّى النّظر عليهم، وله العزل والولاية، ومن يده عرض الأوراق في أوقات معروفة على الخليفة أو الوزير (٢)، ولم ير فيه نصرانيّ إلاّ الأخرم (٣)، ولم يتوصّل إليه إلاّ بالضّمان. وله الاعتقال بكلّ مكان يتعلّق بنوّاب الدّولة، وله
(a) بولاق: وكثر الوقائع. (١) ابن المأمون: أخبار مصر ٦٥ - ٦٨. (٢) احتفظت لنا المصادر بأسماء بعض الذين تولّوا ديوان النّظر الفاطمي؛ فتولاّه في عهد الخليفة الحافظ الشريف معتمد الدولة عليّ بن جعفر بن غسّان المعروف بابن أبي العسّاف الذي تولى نظر الدواوين في سنة ٥٢٧ هـ/ ١١٣٣ م (ابن ميسر: أخبار مصر ١١٩؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٨: ٣) والموفّق أبو الكرم محمد بن معصوم التنيسي الذي أعيد إليه نظر الدواوين والأتراك والخزائن في جمادى الأولى سنة ٥٤٠ هـ/ ١١٤٥ م، ثم صرف في سنة ٥٤٢ هـ/ ١١٤٧ م بالقاضي المرتضى أبي عبد اللّه محمد بن الحسين الطرابلسي المعروف بالمحنّك (أبو صالح: تاريخ ١٤؛ ابن ميسر: أخبار ١٣٦، ١٣٧؛ المقريزي: اتعاظ ١٨٠: ٣، ١٨٢، والمقفى الكبير ٢٧٦: ٧). (٣) اختلفت المصادر في ذكر الاسم الصحيح لهذا الشخص. فقد ورد اسمه في المصادر الإسلامية بالصيغة التالية: صنيعة الخلافة أبو الكرم الأخرم (أو الأكرم) بن