خلص الفرس وهلك ألجاي، فوقع النداء بالقاهرة وظواهرها على إحضار مماليكه، فأمسك منهم جماعة.
وبعث السّلطان الغطّاسين إلى البحر تتطلّبه، فتتبّعوه حتى أخرجوه إلى البرّ في يوم الجمعة تاسع المحرّم سنة خمس وسبعين وسبع مائة. فحمل في تابوت على لبّاد أحمر إلى مدرسته هذه، وغسّل وكفّن ودفن بها. وكان مهابا جبّارا عسوفا عتيّا، تحدّث في الأوقاف، فشدّد على الفقهاء وأهان جماعة منهم، وكان معروفا بالإقدام والشّجاعة.
المدرسة أمّ السّلطان بالتّبّانة (a) [أثر رقم ١٢٥]
هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل، يعرف خطّها الآن ب «التّبّانة»(١)، وموضعها كان قديما مقبرة لأهل/ القاهرة. أنشأتها السّتّ الجليلة الكبرى خوند (b) بركة، أمّ السّلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين (٢)، في سنة إحدى وسبعين وسبع مائة، وعملت بها درسا للشّافعيّة ودرسا للحنفيّة، وعلى بابها حوض ماء للسّبيل (c) ومكتبا للأيتام). وهي من
(a) إضافة من المسوّدة. (b) ساقطة من بولاق. (c) (c-c) ساقطة من بولاق. (١) كان خطّ التّبّانة يشتمل على المنطقة الممتدّة من باب الوزير إلى الدّرب الأحمر، ويتوسّطها الآن شارع باب الوزير وشارع التّبّانة، وأصبح شارع التّبّانة يطلق الآن على الطريق الممتدة من شارع باب الوزير عند تلاقيه بشارع النبوية وسوق السّلاح إلى شارع الدّرب الأحمر. وعرف بخطّ التّبّانة لأنّه كانت فيه أسواق التّبن اللازم لمؤونة دواب القاهرة في هذا العصر. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٨٠: ١٠ هـ ١). (٢) ما تزال هذه المدرسة قائمة في شارع باب الوزير وتعرف ب «جامع أمّ السّلطان»، والمدخل الرئيس لهذه المدرسة من أحفل مداخل المدارس المملوكية زخرفا وأندرها تصميما، وهو مدخل مرتفع به مكسلتان، وعقده من أجمل وأبدع العقود الملوّنة من المقرنصات ذات الدّوالي المذهبة، تحيط به كتابة كوفية مشتملة على آية الكرسي. وهذا النوع من المداخل متأثّر بالعمائر السّلجوقية التي تعنى بزخرفة المداخل. وللمدرسة أربعة إيوانات متعامدة يتوسّطها صحن مكشوف، وقد حلّي سقف الإيوان القبلي بنقوش زرقاء ومذهبة. ويكتنف الإيوان الشّرقي قبّتان: خصّصت القبلية لدفن السّلطان شعبان، كما دفن فيها أيضا ابنه الملك المنصور حاجي المتوفى سنة ٨١٤ هـ/ ١٤١١ م، وأعدّت القبّة البحرية لدفن خوند بركة التي دفنت معها ابنتها خوند زهرة المتوفاة سنة ٧٧١ هـ/ ١٣٧٠ م. (راجع، المقريزي: السلوك ١٩٠: ٣، ١٩٣، ٢١٠، ٢٨٢؛ أبا المحاسن: النجوم -