ولمّا طغى البحر الخضمّ بأهله … الطّغاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدّين من سلّ عزمه … صقيلا كما سلّ الحسام المهنّدا
فلم ينج إلاّ كلّ شلو مجدّل … ثوى منهم أو من تراه مقيّدا
ونادى لسان الكون في الأرض رافعا … عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعبّاد عيسى إنّ عيسى وحزبه … وموسى جميعا ينصران محمّدا
فكانت هذه اللّيلة بالمنصورة من أحسن ليلة مرّت لملك من الملوك (١).
وكان عند إنشاده يشير، إذا قال عيسى، إلى/ عيسى المعظّم، وإذا قال موسى، إلى موسى الأشرف، وإذا قال محمّدا، إلى السّلطان الملك الكامل. وقد قيل إنّ الذي أنشد هذه الأبيات إنّما هو راجح الحلّي (a) الشّاعر (٢).
العبّاسة
هذه القرية فيما بين بلبيس والصّالحيّة من أرض السّدير، ولم تزل (b) متنزّها لملوك مصر، وبها ولد العبّاس بن أحمد بن طولون فسمّاه لذلك أبوه العبّاس، وولد بها أيضا الملك الأمجد تقيّ الدين عبّاس بن العادل أبي بكر بن أيّوب.
وكان الملك الكامل محمد بن العادل يقيم بها كثيرا، ويقول: هذه قفل (c) مصر؛ إذا أقمت بها أصطاد الطّير من السّماء، والسّمك من الماء، والوحش من الفضاء، ويصل الخبز من قلعة الجبل إليّ بها في قلعتي، وهو سخن. وبنى بها آدرّا ومناظر وبساتين، وبنى أمراؤه بها أيضا عدّة مساكن في البساتين.
ولم تزل العبّاسة على ذلك، حتى أنشأ الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب بن الكامل المنزلة الصّالحيّة، فتلاشى حينئذ أمر العبّاسة، وخربت المناظر في سلطنة الملك المعزّ أيبك (٣).
(a) بولاق: المحلي. (b) بولاق: لم يزل. (c) بولاق: تعلو. (١) المقريزي: السلوك ٢٠٩: ١ - ٢١٠. (٢) شرف الدين أبو الوفاء راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الأسدي الحليّ الشاعر المتوفى بدمشق سنة ٦٢٧ هـ (الصفدي: الوافي بالوفيات ٥٣: ١٤ - ٥٨). (٣) فيما تقدم ٥٠٠.