للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجانبين حوانيت تجلس فيها الصّيارف طول النّهار. فإذا كان عصريّات كلّ يوم جلس «أرباب المقاعد» (١) تجاه حوانيت الصّيارف لبيع أنواع من المآكل، ويقابلهم تجاه حوانيت سوق السّلاح أرباب المقاعد أيضا. فإذا أقبل اللّيل أشعلت السّرج من الجانبين، وأخذ النّاس في التّمشّي بينهما على سبيل الاسترواح والتنزّه، فيمرّ هنالك من الخلاعات والمجون ما لا يعبّر عنه بوصف.

فلمّا أنشأ الملك الظّاهر برقوق المدرسة الظّاهريّة المستجدّة، صارت في موضع الخان وحوانيت الصّرف تجاه سوق السّلاح، وقلّ ما كان هناك من المقاعد، وبقي منها شيء يسير.

[سوق القفيصات]

بصيغة الجمع والتّصغير هكذا يعرف، كأنّه جمع قفيص. فإنّه كلّه معدّ لجلوس أناس على تخوت تجاه شبابيك القبّة المنصورية (a)) والمدرسة المنصورية (a)، وفوق تلك التّخوت أقفاص صغار من حديد مشبّك، فيها الطّرائف من الخواتيم والفصوص وأساور النّسوان وخلاخيلهنّ وغير ذلك. وهذه الأقفاص يأخذ أجرة الأرض التي هي عليها مباشر المارستان المنصوري.

وأصل هذه الأرض كانت من حقوق أرض موقوفة على جامع المقس، فدخل بعضها في القبّة المنصورية، وصار بعضها كما ذكرنا، وإلى اليوم يدفع من وقف المارستان حكر هذه الأرض لجامع المقس.

ولمّا ولي نظر المارستان الأمير جمال الدّين آقوش، المعروف بنائب الكرك، في سنة ستّ وعشرين وسبع مائة، عمل فيه أشياء من ماله: منها خيمة ذرعها مائة ذراع، نشرها من أوّل جدار القبّة المنصورية بحذاء المدرسة النّاصريّة إلى آخر حدّ المدرسة المنصورية بجوار الصّاغة، فصارت فوق مقاعد الأقفاص تظلّهم من حرّ الشّمس، وعمل لها حبالا تمدّ بها عند الحرّ وتجمع بها إذا امتدّ الظّل، وجعلها مرتفعة في الجوّ حتى ينحرف الهواء. ثم لمّا كان شهر جمادى الأولى سنة


(a-a) ساقطة من بولاق. ٢٤٨: ٢)، وحل محله الآن مجموعة المباني الواقعة بشارع المعز لدين اللّه بين شارع بيت القاضي وقصر بشتاك في مواجهة المدرسة النّاصرية والمدرسة الظّاهرية برقوق.
(١) ذكرهم فيما تقدم ١٧: ٣١٦ باسم «أصحاب المقاعد».