وكان معلوم القضاة والعلماء أكثره خمسون دينارا في كلّ شهر، مضافا لما بيدهم من المدارس التي يستدرّون من أوقافها.
وكان أيضا يصرف على سبيل الصّدقات الجارية والرّواتب الدارّة على جهات ما بين مبلغ وغلّة وخبز ولحم وزيت وكسوة وشعير، هذا سوى الأرض من النّواحي التي يعرف المرتّب عليها ب «الرّزق (a) الأحباسيّة» (١).
وكانوا يتوارثون هذه المرتّبات ابنا عن أب، ويرثها الأخ عن أخيه، وابن العمّ عن ابن العمّ، بحيث أنّ كثيرا ممّن مات وخرج إدراره من مرتّبه لأجنبي، لمّا جاء قريبه وقدّم قصّته يذكر فيها أولويته بما كان لقريبه، أعيد إليه ذلك المرتّب ممّن كان خرج باسمه.
[نظر البيوت]
كان من الوظائف الجليلة، وهي وظيفة متولّيها منوط بالأستادّار فكلّ ما يتحدّث فيه أستادّار السّلطان فإنّه يشاركه في التّحدّث، وهذا كان أيّام كون الأستادّار ونظره لا يتعدّى بيوت
(a) بولاق: الأرزاق. فلذلك كان من الممكن أن يكون متحصّل مائة دينار في إقطاع ما أكثر من متحصّل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر. وهو أيضا مسمّى قيمته ثلاثة عشر درهما وثلث درهم نقرة، أو أربعون درهما سودا، الدرهم منها ثلث درهم من النّقرة. (ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ١٤؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٤٣٨: ٣؛ ابن مماتي: قوانين الدواوين ٣٦٩؛ طرخان: النظم الإقطاعية ٥٢٥؛ Rabie، H.، op.cit.، pp. ١١٩ - ٥٠; Cooper، R.S.، «A Note on the Dinar (Jayshi»، JESHO ١٦ (١٩٧٣)، pp. ٣١٧ - ١٨. (١) الرّزق الأحباسيّة. الرّزق هي أراض زراعية كان الخلفاء والملوك والسّلاطين يمنحونها بمقتضى حجج شرعية أو تقاسيط ديوانية إلى بعض النّاس على سبيل الإحسان والإنعام «رزقة بلا مال». وتنوّعت هذه الرّزق في العصر المملوكي، فمنها ما لا ينصّ على أنّه وقف فيصرف ريعه إلى مستحقيه، والرّزق من هذا النّوع تنحلّ بانقراض أصحابها. أمّا «الرّزق الأحباسية» فهي الأراضي المؤبّده الموقوفة والتي ينصّ على صرف ريعها على المساجد والخوانق والرّباطات والأضرحة وغيرها من الجهات الخيرية، للقيام بمصالحها ودوام عمارتها والصّرف على القائمين بإدارتها، وتصدر عن ديوان الأحباس. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥٣: ٩ هـ ٦). وهناك نوع آخر من الرّزق يعرف ب «الرّزق الجيشية» تصدر عن ديوان الجيش تحت إشراف ديوان الأحباس، إلى الأمراء الذين أقعدهم المرض أو كبر السّن عن أداء واجباتهم الحربية المرتبطة بالإقطاع، أو إلى الأمراء الذين غضب عليهم السّلطان واستولى على إقطاعاتهم ثم عفا عنهم، ويعرف هؤلاء الأمراء باسم «الطّرخان». وهذه الرّزق مؤقّتة يستفيد منها الطّرخان طوال حياته فقط ولا تورّث. (محمد محمد أمين: الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ١٠٩ - ١١٠).