اعلم أنّ خارج باب زويلة جهتان: جهة تلي الخليج، وجهة تلي الجبل. فأمّا الجهة التي تلي الخليج فقد كانت عند وضع القاهرة بساتين كلّها فيما بين القاهرة إلى مصر. وعندي فيما ظهر لي أنّ هذه الجهة كانت في القديم غامرة بماء النّيل، وذلك أنّه لا خلاف بين أهل مصر قاطبة أنّ الأراضي التي هي من طين إبليز لا تكون إلاّ من أرض ماء النّيل. فإنّ أرض مصر تربة رملة سبخة، وما فيها من الطّين طرح يعلوها عند زيادة ماء النّيل، ممّا يحمله من البلاد الجنوبية من مسيل الأودية، فلذلك يكون لون الماء عند الزّيادة متغيّرا، فإذا مكث على الأرض قعد ما كان في الماء من الطّين على الأرض، فسمّاه أهل مصر إبليز، وعليه تزرع الغلال وغيرها، وما لا يشمله ماء النّيل من الأرض لا يوجد فيه هذا الطّين ألبتّة.
وأنت إن عرفت أخبار مصر بتأمّلك ما تضمّنه هذا الكتاب، ظهر لك أنّ موضع جامع عمرو ابن العاص ﵁ كان كروما مشرفة على النّيل، وأنّ النّيل انحسر بعد الفتح عمّا كان تجاه الحصن الذي يقال له قصر الشّمع وعمّا هو الآن تجاه الجامع. وما زال ينحسر شيئا بعد شيء حتى صار السّاحل بمصر من عند سوق/ المعاريج الآن إلى قريب من السّبع سقايات. وجميع الأرض (a) التي فيها الآن المراغة خارج مصر إلى نحو السّبع سقايات، وما يقابل ذلك من برّ الخليج الغربي، كان غامرا بالماء كما تقدّم (١).
وكان في الموضع الذي تجاه المشهد المعروف بزيد - وتسمّيه العامّة الآن مشهد زين العابدين (٢) - بساتين شرقيها عند المشهد النّفيسي، وغربيها عند السّبع سقايات: منها بساتين عرفت بجنان بني مسكين، وعندها بنى كافور الإخشيدي داره على البركة التي تجاه الكبش وتعرف اليوم ببركة قارون. ومنها بستان يعرف ببستان ابن كيسان، ثم صار صناعة (b)، وهو الآن يعرف ببستان الطّواشي. ومنها بستان عرف آخرا بجنان الحارة، وهو من حوض
(a) بولاق: الأراضي. (b) بولاق: صاغة. (١) فيما تقدم ١٥٨: ٢. (٢) فيما يلي ٤٣٦: ٢.