أمّا خارج القاهرة من جهة باب النّصر فإنّه، عندما وضع القائد جوهر القاهرة، كان فضاء ليس فيه سوى مصلّى العيد الذي بناه جوهر. وهذا المصلّى اليوم يصلّى على من مات فيه. وما برح ما بين هذا المصلّى وبستان ريدان، الذي يعرف اليوم بالرّيدانيّة، لا عمارة فيه إلى أن مات أمير الجيوش بدر الجمالي في سنة سبع وثمانين/ وأربع مائة، فدفن خارج باب النّصر بحري المصلّى، وبني على قبره تربة جليلة وهي باقية إلى اليوم هناك. فتتابع بناء التّرب من حينئذ خارج باب النّصر فيما بين التّربة الجيوشيّة والرّيدانيّة، وقبر النّاس موتاهم هناك، لا سيّما أهل الحارات التي عرفت خارج باب الفتوح بالحسينيّة، وهي الرّيدانيّة وحارة البيازرة (a) وغيرها (١).
(a) بولاق: البزادرة. (١) توجد اليوم بين مقابر باب النّصر في سفح تلّ الشّيخ شعبان في مقبرة الدّبر مشهد يعرف بقبّة يونس السّعدي. ويغطّي هذا المشهد قبّة تحمل عناصر معمارية وفنية تضعها دون أي التباس بين منشآت العصر الفاطمي (بالرغم من بعض التغييرات اللاحقة). وتساءل إدموند بوتي Edmond Pauty - أوّل من أشار إلى هذا الكشف - إذا كنّا أمام قبر بدر الجمالي، رغم عدم وجود أيّة كتابة أثرية أو تاريخ يؤكد ذلك؟ ورجّح الآثاري الرّاحل حسن عبد الوهاب - في مقال له عن الآثار المنقولة وفي كتابه عن المساجد الأثرية - أنّ هذه القبّة هي قبر بدر الجمالي اعتمادا على ما تذكره المصادر من أنّه دفن خارج باب النّصر. وتبنّى محمد رمزي في أحد تعليقاته على النجوم الزاهرة نفس الرأي اعتمادا على نصّ للسخاوي صاحب «تحفة الأحباب» ولكن دون عرض لأسباب ذلك. واستبعد كلّ من كريزويل Creswell وأحمد فكري هذا التحديد، الذي اعتبراه فرضا بما أنّه لا توجد أيّة كتابة تؤكّده. ولكن يوسف راغب اعتمادا على كتاب «وصف مصر» وخريطة القاهرة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨ م أثبت أنّ «قبّة يونس السّعدي» تظهر في هذه الخريطة باسم «زاوية السّيّد بدر»، وبالتالي فإنّ هذا المصدر الذي لا يمكن دحضه يسمح لنا بالقول بأنّ قبّة يونس السّعدي (المسجلة في الآثار برقم ٥١١) هي قبّة بدر الجمالي، وأنّه تغيّر اسمها بعد نهاية القرن الثامن عشر ربّما في أعقاب تعدّ على المكان أو اغتصاب له. (انظر فيما تقدم ٦٣ وما ذكر من مراجع، ٣٦٨، و Fuad Sayyid، A.، La Capitaled de (l'Egypte، pp. ٤٥١ - ٥٣. وبغرض توسعة الطريق الذي يربط شارع المنصورية شرقا بشارع الجيش غربا المعروف بشارع جلال، أمام السّور الشمالي لمدينة القاهرة الفاطمية أزيل قسم كبير من مقابر باب النّصر في منتصف عام ٢٠٠١ م.