للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الخندق]

هذا الموضع قرية خارج باب الفتوح كانت تعرف أوّلا بمنية الأصبغ. ثم لمّا اختطّ القائد جوهر القاهرة أمر المغاربة أن يحفروا خندقا، ممّا يلي (a) الشّام من الجبل إلى الإبليز، عرضه عشرة أذرع في عمق مثلها. فبدئ به يوم السبت حادي عشرين شعبان سنة ستين وثلاث مائة، وفرغ في أيّام يسيرة.

وحفر خندقا آخر قدّامه وعمّقه، ونصب عليه بابا يدخل منه - وهو الباب الذي كان على ميدان البستان الذي للإخشيد - وقصد أن يقاتل القرامطة من وراء هذا الخندق، فقيل له من حينئذ «الخندق»، و «خندق العبيد»، و «الحفرة». ثم صار بستانا جليلا من جملة البساتين السّلطانية في أيّام الخلفاء الفاطميين، وأدركناها من منتزهات القاهرة البهجة إلى أن خربت.

قال ابن عبد الحكم: وكان عمر بن الخطّاب قد أقطع ابن سندر منية الأصبغ، فحاز لنفسه منها ألف فدّان كما حدّثنا يحيى بن خالد، عن اللّيث بن سعد ولم يبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب أقطع أحدا من النّاس شيئا من أرض مصر، إلاّ ابن سندر فإنّه أقطعه منية الأصبغ، فلم تزل له حتّى مات، فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز من ورثته، فليس بمصر قطيعة أقدم منها ولا أفضل (١).

وكان سبب إقطاع عمر ما أقطعه من ذلك - كما حدّثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه - أنّه كان لزنباع الجذامي (٢) غلام يقال له سندر، فوجده يقبّل جارية له، فجبّه وجدع أذنيه وأنفه (b). فأتي سندر إلى (c) رسول اللّه ، فأرسل إلى زنباع فقال: «لا تحمّلوهم ما لا يطيقون، وأطعموهم ممّا تأكلون، واكسوهم (d) ممّا تلبسون، فإن رضيتم/ فأمسكوا، وإن كرهتموهم فبيعوا، ولا تعذّبوا خلق اللّه. ومن مثّل به أو


(a) بولاق: من جهة.
(b) بولاق: أنفه وأذنه.
(c) ساقطة من بولاق.
(d) بولاق: وألبسوهم.
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٣٧؛ وفيما تقدم ٢٥٩: ١.
(٢) حاشية بخطّ المؤلّف: «زنباع بن روح أبو روح الجذامي، قدم على النبيّ وقد خصى غلاما له، فأعتقه النبي وابنه روح بن زنباع، قاله ابن عبد البرّ».