تميّز تأسيس المدن الإسلامية الأولى في العراق ومصر باختطاط «الخطط»(مفردها خطّة) وتوزيعها على الجند الفاتحين. وهي تعنى حصّة من الأراضي تمنح للفاتحين القادمين سواء بشكل شخصي أو جماعي (١). ولكن ما ميّز خطط الفسطاط هو وجود دور للأعيان تجمّع حولها موالي أصحاب هذه الدّور. يقول القلقشندي:«واعلم أنّه كان في خلال هذه الخطط دور جماعة كثيرة من الصّحابة - رضوان اللّه عليهم، ممّن حضر الفتح»(٢)، وتخلّل كلّ خطّة منها «دروب وأزقة وسقائف»(٣). وكانت خطط الفسطاط الأولى موضوع دراستين هامّتين اعتمدتا في الأساس على كتاب «الانتصار» لابن دقماق، هما: دراسة بول كازانوفا Casanova، P.Essai de reconstitution topographique de la ville de Fustat ou Misr، IFAO-Le Caire ١٩١٩، ومؤخّرا دراسة سيلقي دنوا Denoix، S.، Decrire le Caire.Fustat-Misr d'apres Ibn Duqmaq et Maqrlzl، IFAO-Le Caire ١٩٩٢.
ومع تأسيس مدينة القطائع الطّولونيّة في منتصف القرن الثّالث الهجري/ التاسع الميلادي، قسم أحمد بن طولون مدينته الجديدة إلى عدّة قطع سكنها عبيده وعساكره وغلمانه، وجعل كلّ قطيعة لطائفة (فيما تقدم ٨١: ٢، ٨٥)، وهي تعكس النّظام الإداري الجديد الذي بدأ يسود في هذا العصر. ونظرا لأنّ القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف قبل عصر المقريزي بزمن بعيد (فيما تقدم ٨٠: ٢)، فإنّنا لا نملك تصوّرا واضحا لما كانت عليه، وإن كان المقريزي قد شبّهها بحارات القاهرة (٤).
ثم كان تأسيس مدينة القاهرة سنة ٣٥٨ هـ/ ٩٦٩ م بداية مرحلة جديدة في هذا السّياق، فاعتبارا من هذا الحدث بدأ مصطلح جديد يظهر في كتابات المؤرّخين المصريين، هو مصطلح «حارة»، الذي لم نقابله في مصر من قبل. وبدأ المؤرّخون وكتّاب الخطط في استخدامه للتّدليل على المناطق السّكنيّة (الأحياء) التي شغلتها الفرق المختلفة للجيش داخل أسوار الحصن
(١) راجع بصفة خاصّة، ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٩١ - ١٢٨، ابن دقماق: الانتصار ٣: ٤ - ٥؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٢٧: ٣ - ٣٣١؛ وفيما تقدم ٢٣: ٢ - ٣٩. (٢) القلقشندي: صبح الأعشى ٣٢٩: ٣. (٣) ابن دقماق: الانتصار ٣٨: ٤. (٤) راجع، Fu'ad Sayyid، A.، La Capitale de l'Egypte jusqu'a l'epoque fatimide، pp. ٣٨ - ٤١.