للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاطمي، وأخذت كلّ حارة اسم الجماعة أو القبيلة التي سكنتها. ومع امتداد المدينة أطلق على التّجمّعات التي نشأت خارج أسوارها أيضا اسم «حارة».

وسرعان ما اختارت فرق الجيش الفاطمي التي لم تجد لها أماكن تشغلها داخل سور المدينة، أن تختطّ حارات خارج باب زويلة شمال شرق بركة الفيل، وخارج باب الفتوح جنوب الخندق. وإلى إحدى هذه الحارات الواقعة خارج باب زويلة، والتي كان يقيم بها العبيد، تحيل أقدم إشارة مؤكّدة وصلت إلينا من العصر الفاطمي إلى الحارات الفاطمية، هي إشارة المسبّحي في حوادث سنة ٤١٥ هـ/ ١٠٢٤ م إلى حارات العبيد خارج باب زويلة (١). وسرعان ما أخذت هذه الحارات أهميّتها كضاحية جنوبية حتى خرّبها السّلطان صلاح الدّين (فيما يلي ٥٣).

وبرغم وجود فقرات مطوّلة وصلت إلينا لمؤلّفين عاشوا في الخمسين عاما الأولى للحكم الفاطمي في مصر مثل: ابن زولاق والمسبّحي، فإنّ أقدم شهادة وصلت إلينا عن حارات القاهرة كتبت بعد نحو ثلاثة أرباع القرن من تأسيس المدينة، هي ذكر الرّحّالة الفارسي ناصر خسرو - الذي زار القاهرة سنة ٤٣٩ هـ/ ١٠٤٦ م - لحارات القاهرة العشر، ولكنّ ناصر خسرو يطلق عليها على الفور «المحلاّت» يقول: «ولمدينة القاهرة عشر محلاّت، وهم يسمّون المحلّة حارة» (٢). ويبدو الأمر كما لو أنّ المصطلح غريب عليه أو مستهجن أو مصريّ صرف. ولا يظهر مصطلح «حارة» كذلك في كتابات جغرافي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي (الإصطخري والمقدسي وابن حوقل) سوى مرّة واحدة عند ابن حوقل في إطار وصفه لمدينة بلرم قصبة صقلّيّة بأنّها «خمس حارات متجاورة غير متباينة ببعيد مسافة، وإن كانت حدودها ظاهرة بيّنة» (٣). إضافة إلى ذلك فإنّ لفظيّ: حارة وحومة كانا أكثر استخداما في المغرب والأندلس بمعنى «الرّبض» أي الأحياء الواقعة خارج المدينة، واستخدمت أيضا بمعنى الأحياء الموجودة داخل الأسوار. فهل اتّبع جوهر الصّقلبي مؤسّس القاهرة في ذلك تقاليد مغربية شاهدها أثناء فتوحاته في المغرب الأقصى؟ وهل كان المشرق الإسلامي في ذلك الوقت يجهل تماما مصطلح «الحارة»؟ (٤) لقد ذكر ابن القلانسي، المتوفى سنة ٥٥٥ هـ/ ١١٦٠ م، في إطار ذكره لأحد المواجهات التي دارت في دمشق سنة ٣٦٣ هـ/ ٩٧٣ م بين أهل المدينة والجنود الفاطميين، أنّ «الفساد انتشر في سائر الضّياع والجهات


(١) المسبحي: أخبار مصر ٨٧.
(٢) ناصر خسرو: سفرنامة ٩٩ - ١٠٠.
(٣) ابن حوقل: صورة الأرض ١١٨.
(٤) Garcin J. -Cl.، «Toponymie et topographie urbaines medievales a Fustat et au Caire»، JESHO XXVII (١٩٨٤)، p. ١٢٤.