قال ابن رضوان: والمدينة الكبرى اليوم بأرض مصر ذات أربعة أجزاء: الفسطاط، والقاهرة، والجزيرة، والجيزة (a).
وبعد هذه المدينة عن خطّ الاستواء ثلاثون درجة، والجبل المقطّم في مشرقها (b) وبينها وبين مقابر المدينة. وقد قالت الأطبّاء: إنّ أردأ المواضع ما كان الجبل في مشرقه (c)، يعوق عنه ريح الصّبا.
وأعظم أجزائها هو الفسطاط، ويلي الفسطاط من الغرب النّيل، وعلى شطّ النّيل الغربي أشجار طوال وقصار. وأعظم أجزاء الفسطاط موضع في غور، فإنّه يعلوه من المشرق المقطّم، ومن الجنوب الشّرف، ومن الشّمال الموضع العالي من عمل فوق (١) - أعني الموقف - والعسكر وجامع ابن طولون.
ومتى نظرت إلى الفسطاط من الشّرف (d)، أو من مكان آخر عال، رأيت وضعها في غور.
وقد بيّن أبقراط أنّ المواضع المتسفّلة أسخن من المواضع المرتفعة وأردأ هواء، لاحتقان البخار فيها، ولأنّ ما حولها من المواضع العالية يعوق تخليل (e) الرّياح لها.
وأزقّة الفسطاط وشوارعها ضيّقة، وأبنيتها عالية، وقد قال روفس (٢): إذا دخلت مدينة فرأيتها ضيّقة الأزقّة مرتفعة البناء، فاهرب منها فإنّها (f) وبيئة، أراد أنّ البخار لا ينحلّ (g) منها كما ينبغي لضيق الأزقّة وارتفاع البناء.
ومن شأن أهل الفسطاط أن يرموا ما يموت في دورهم من السّنانير/ والكلاب ونحوها من الحيوان الذي يخالط الناس في شوارعهم وأزقّتهم، فتتعفّن وتخالط عفونتها الهواء. ومن شأنهم
(a) عند ابن رضوان: الفسطاط والقرافة والقاهرة والجيزة. (b) بولاق: شرقيها. (c) بولاق: شرقيه. (d) بولاق: الشرق. (e) ابن رضوان: تخلل. (f) بولاق: لأنها. (g) بولاق: لا يتخلل. (١) حاشية بخط المؤلّف: «الشرف يعرف اليوم بالرّصد، عمل فوق من جامع ابن طولون وأنت مار إلى كوم الجارح». (٢) روفس Ruvos: طبيب يوناني من مدينة أفسس قبل جالينوس، له تصانيف كثيرة في الطب نقلت إلى العربية. (القفطي: تاريخ الحكماء ١٨٥).