موضع (a) نرجع؟ وفي أيّ مكان ننزل ونأوي، وقد صارت كما ترى؟ وبكوا وأبكوا، فوعدهم جميلا، وترفّق بهم، وأمر فنودي في النّاس بالرّجوع إلى مصر (١).
فتراجع إليها النّاس قليلا قليلا، وعمّروا ما حول الجامع (٢)، إلى أن كانت المحنة من الغلاء والوباء العظيم في سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيّوب لسنتي خمس وستّ وتسعين (b) وخمس مائة، فخرب من مصر جانب كبير (٣).
ثم تحايا النّاس بها، وأكثروا من العمارة بجانب مصر الغربي على شاطئ النّيل لمّا عمّر الملك الصّالح نجم الدين أيّوب قلعة الرّوضة، وصار بمصر عدّة آدرّ جليلة وأسواق ضخمة.
فلمّا كان غلاء مصر والوباء الكائن في سلطنة الملك العادل كتبغا سنة ستّ وتسعين وستّ مائة، خرب كثير من مساكن مصر، وتراجع النّاس بعد ذلك في العمارة إلى سنة تسع وأربعين وسبع مائة، فحدث الفناء الكبير الذي أقفر منه معظم دور مصر وخربت.
ثم تحايا النّاس من بعد الوباء، وصار ما يحيط بالجامع العتيق وما على شطّ النّيل عامرا إلى سنة ستّ وسبعين وسبع مائة، فشرقت بلاد مصر، وحدث الوباء بعد الغلاء، فخرب كثير من عامر مصر.
ولم تزل تخرب (c) شيئا بعد شيء إلى سنة تسعين وسبع مائة، فعظم الخراب في زقاق القناديل (d) وخطّ النّخّالين (e)، وشرع النّاس في هدم دور مصر وبيع أنقاضها، حتى صارت على ما هي عليه الآن، ﴿وَتِلْكَ اَلْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً﴾ [الآية ٥٩ سورة الكهف].
(a) بولاق: مكان. (b) ساقطة من النسخ. (c) بولاق: ولم يزل يخرب. (d) بولاق: خط زقاق القناديل. (e) بولاق: النحاسين. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٠٣: ٣. (٢) يقول ابن جبير الذي زار الفسطاط بعد سنة ٥٧٩ هـ/ ١١٨٤ م: «وبمدينة مصر آثار من الخراب الذي أحدثه الإحراق الحادث بها وقت الفتنة عند انتساخ دولة العبيديين، وذلك في سنة أربع وستين وخمس مائة، وأكثرها الآن مستجدّ والبنيان بها متّصل». (الرحلة ٢٩). (٣) انظر فيما يلي ٢٣٥: ٢.