إلى الماء، فأذن له في ذلك. فاختطّوا هذه الحارة، وجعلوا منازلهم مناظر على الخليج، وفي كلّ دار باب سرّ ينزل منه إلى الخليج.
واتّصل بناء هذه الحارة بزقاق الكحل (١)، فعرفت بهم وسمّيت بحارة البيازرة (واحدهم بازيار). ثم إنّ المختار الصّقلبي زمام القصر أنشأ بجوارها بستانا وبنى فيه منظرة عظيمة. وهذا البستان يعرف اليوم موضعه ببستان ابن صيرم خارج باب الفتوح.
فلمّا كثرت العمائر في حارة البيازرة، أمر الوزير المأمون بعمل الأقمنة لشيّ الطّوب على شاطئ الخليج الكبير، إلى حيث كان البستان الكبير الجيوشي الذي تقدّم ذكره في ذكر مناظر الخلفاء ومتنزّهاتهم (٢).
حارة الحسينيّة
عرفت بطائفة من عبيد الشّراء يقال لهم الحسينيّة. قال المسبّحيّ في حوادث سنة خمس وتسعين وثلاث مائة: وأمر بعمل شونة ممّا يلي الجبل ملئت بالسّنط والبوص والحلفا، فابتدئ بعملها في ذي الحجّة سنة أربع وتسعين وثلاث مائة، إلى شهر ربيع الأوّل سنة خمس وتسعين، فخامر قلوب النّاس من ذلك جزع شديد، وظنّ كلّ/ من يتعلّق بخدمة أمير المؤمنين الحاكم بأمر اللّه أنّ هذه الشّونة عملت لهم. ثم قويت الإشاعات، وتحدّث العوامّ في الطّرقات أنّها للكتّاب وأصحاب الدّواوين وأسبابهم.
فاجتمع سائر الكتّاب، وخرجوا بأجمعهم في خامس ربيع الأوّل، ومعهم سائر المتصرّفين في الدّواوين من المسلمين والنّصارى، إلى الرّمّاحين (a)) داخل باب القنطرة (a) بالقاهرة، ولم يزالوا يقبّلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يدعون ويتضرّعون ويضجّون ويسألون العفو عنهم - ومعهم رقعة قد كتبت عن جميعهم - إلى أن دخلوا باب القصر الكبير، وسألوا أن يعفى عنهم، ولا يسمع فيهم قول ساع يسعى بهم. وسلّموا رقعتهم إلى قائد القوّاد الحسين ابن جوهر، فأوصلها إلى أمير المؤمنين الحاكم بأمر اللّه، فأجيبوا إلى ما سألوا.
(a-a) ساقطة من بولاق. (١) انظر عن زقاق الكحل فيما تقدم ٢٢١: ٢ - ٢٢٢؛ وفيما يلي ١٣٩. (٢) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٤؛ وفيما تقدم ٥٨٣: ٢ - ٥٨٤.