كانت أخيرا دارا تعرف بدار تغريل النّوغاني (a)، فأخربها وما جاورها الأمير قوصون، وجعلها فندقا كبيرا إلى الغاية وبدائره عدّة مخازن، وشرط ألاّ يؤجّر كلّ مخزن إلاّ بخمسة دراهم من غير زيادة على ذلك، ولا يخرج أحد من مخزنه، فصارت هذه المخازن تتوارث لقلّة أجرتها وكثرة فوائدها (١).
وقد أدركنا هذه الوكالة، وإنّ رؤيتها من داخلها وخارجها لتدهش، لكثرة ما هنالك من أصناف البضائع، وازدحام النّاس، وشدّة أصوات العتّالين عند حمل البضائع ونقلها لمن يبتاعها.
ثم تلاشى أمرها منذ خربت الشّام في سنة ثلاث وثمان مائة على يد تيمور لنك، وفيها إلى الآن بقيّة.
ويعلو هذه الوكالة رباع تشتمل على ثلاث مائة وستين بيتا أدركناها عامرة كلّها، ويحزّر أنّها تحوي نحو أربعة آلاف نفس ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير. فلمّا كانت هذه المحن في سنة ستّ وثمان مائة، خرب كثير من هذه البيوت، وكثير منها عامر آهل.
دار التّفّاح (b)
هذه الدّار هي فندق تجاه باب زويلة (c)، ترد إليه الفواكه على اختلاف أصنافها ممّا ينبت في بساتين ضواحي القاهرة، ومن التّفّاح والكمّثرى، والسّفرجل الواصل من البلاد الشّامية إنّما يباع في وكالة قوصون إذا قدم، ومنها ينقل إلى سائر أسواق القاهرة ومصر ونواحيهما (٢). وكان موضع دار التّفّاح هذه في القديم من جملة حارة السّودان التي عملت بستانا في أيّام السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب (٣).
وأنشأ هذه الدّار الأمير طقزدمر (٤) بعد سنة أربعين وسبع مائة، ووقفها على خانقاه بالقرافة.
وبظاهر هذه الدّار عدّة حوانيت تباع فيها الفاكهة، تذكّر رؤيتها وشمّ عرفها الجنّة؛ لطيبها
(a) بولاق: تعويل البوعاني. (b) بولاق: فندق دار التفاح. (c) مسودة الخطط: خارج باب زويلة. (١) المقريزي: مسودة الخطط ٣٢ و. (٢) نفسه ٣٢ و. (٣) فيما تقدم ٥٣. (٤) انظر عن الأمير سيف الدّين طقزدمر (طقزتمر) الحموي النّاصري السّاقي، المتوفى سنة ٧٤٦ هـ/ ١٣٤٥ م (فيما يلي ٣٨٨ هـ ٣).