للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(a) من أسباب الخراب

أنّه لم تزل العادة جارية من قديم الزّمان في مصر بخروج أحد أمراء الدّولة إلى جهة أعلى الأرض - التي يقال لها بلاد الصّعيد - وخروج آخر إلى أسفل الأرض حيث البلاد البحرية والوجه البحري، لتأمين السّابلة وتتبّع أهل الذّعارة والفساد من قطّاع الطريق والبطش بهم، وكان يقال لذلك: «صاحب السّيّارة» (١)، ثم قيل له في الدّولة التّركية: «الكاشف» (٢). فلمّا كان في زمن الظّاهر برقوق صار يولّي الكشّاف والولاة بالبراطيل، ويخرجون إلى الأعمال فيجبون من أهل الأقاليم أموالا يسمّونها «القدوم والضّيافة»، فاختلّ بذلك الحال بعض الخلل، حتى إنّه بلغني عن الوزير الصّاحب سعد الدّين نصر اللّه بن البقري أنّه قال: اعتبرت ما يأخذه السّلطان من الولاة والكشّاف، فوجدت ما يخسر في كلّ سنة وينقص من الخراج أكثر من ذلك.

فلمّا مات الظّاهر وأقيم بعده ابنه الناصر فرج في السّلطنة، وكان من قبل أمراء أبيه ما كان، ثم قدم تيمور لنك إلى دمشق وأحرقها، وخرجت مملكة الشّام من حينئذ عن طاعته وصار نوّابها في مخالفة له وعصيان لأمره، احتاج إلى الأموال حتى يتجهّز لمحاربتهم. فخرج مرارا بعساكره من مصر إلى الشّام ولم ينل غرضا من الأمير شيخ والأمير نوروز وأتلف في كلّ سفرة ممّا ينفقه للماليك وبيوتاته ما ينيف عن ألف ألف دينار ذهبا، سوى ما معه من الخيل والجمال والسّلاح والآلات، وهي بما ينيف عن عشرة آلاف ألف دينار، وسوى ما يحتاج إليه الأمراء والأعيان وهو قريب من ذلك. فاحتاج أن مدّ يده لأموال الرّعيّة، وكان جريئا مفسدا، فصار يبعث في الوجه القبلي والبحري ويحتاط على ما هنالك من الجمال والأغنام والخيول، ومدّت الكشّاف والولاة


(a) (a-a) هذه الفقرة التي تنتهي فيما يلي صفحة ١٠٨٨ إضافة من مسوّدة الخطط.
(١) انظر عن وظيفة «صاحب السّيّارة» أو «متولّي السّيّارة»، وهي وظيفة عرفت في العصر الفاطمي الأوّل. (أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٣٢٨ - ٣٢٩).
(٢) كاشف (ج. كشّاف). كان هناك في العصر المملوكي كاشفان من أمراء الطبلخاناه: كاشف للوجه البحري وكاشف للوجه القبلي، ويطلق عليه أحيانا «والي الولاة». (القلقشندي: صبح الأعشى ٢٥: ٤).