للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيديها أيضا إلى أموال الكافّة حتى صار الوالي والكاشف يركب فإذا مرّ في طريقه بغنم أو بقر أو جمال أو غيرها أحاط بها وقتل صاحبها، فامتنع التّجّار من المسير إلى مصر من بلاد البجة وبلاد النوبة وبلاد سواكن وبلاد عيذاب وبلاد برقة، وكان يرد إلى إقليم مصر من هذه الأقاليم في آخر سنته من الإبل والغنم ومن الرّقيق وغير ذلك ما لا يقدّر قدره.

واشتدّ الفحش في أخذ الأموال حتّى بلغني عن كاشف كان يقال له أبو دقن أنّه مرّة قدم من بلاد الصّعيد يريد القاهرة، فلمّا قاربها إذا بمركب سائر بعدّة من الناس ما بين تجّار وسوقة وغيرهم، فأمر بإدخال المركب إلى البرّ وقتل سائر من فيها - وكانوا فوق المائة - وأخذ جميع ما كان معهم. ومات الناصر والأمر على ذلك؛ فلمّا قام من بعده الملك المؤيّد شيخ وأقام الأمير بدر الدّين حسن بن محبّ الدّين الطرابلسي الملكي أستادّار السّلطان، قرّر على البلاد فرائض من ذهب تجبى من جميع البلاد، فجبيت وصار ينوب كلّ قرية للأعوان مزيد ممّا يجبى منهم ما يعتمد السّلطان.

فلمّا عزم على التّوجّه لحرب الأمير نوروز، سيّر الأمير فخر الدّين عبد الغني ابن الأمير الوزير تاج الدّين عبد الرّزّاق بن أبي الفرج، وهو يومئذ يتولّى أستادّاريّة السّلطان بعد عزل محبّ الدّين إلى بلاد الصّعيد، فما عفّ ولا كفّ، وكان يدخل إلى البلد فما يدع بها شيئا من الحيوان حتى يقبض عليه.

ويفتح أعوانه دور الناس كافّة فينتهبون ثياب النساء وحليّهنّ ومتاعهنّ، فإذا خرج عن القرية أحاط بجميع أعوانه وأخذ منهم سائر ما انتهبوه، فقدّر ما معه من الأنعام على اختلاط جبايتها، ومن الأعسال والقنود والغلال والخيول بأمر عظيم، فطرحه على الناس بأغلى الأثمان. ثم خرج إلى الوجه البحري فصار الناس معه وقدم منه يوم الثلاثاء حادي عشر صفر وقد غرّم سائر بلاد الوجه البحري أموالا يقال إنّها مئة ألوف من الذّهب وسار إلى لقاء السّلطان (a) سابع عشره سبعين ألف دينار وثياب وفضّة وعروض بنحو ثلاثين ألف دينار (b) (١).

أنّه لما رمى العسل الذي أحضره من بلاد الصّعيد ألزم أهل سوق حارة برجوان بشيء من العسل يقرونه من الباعة وقبض الأعوان واحدا منهم في أوّل ما (c) الأعوان، وكان العسل قد فرغ فأدخلوه السّجن حتى يحضر إليهم عسلا آخر من بلاد الصّعيد فيأخذه وأقام في السّجن مدّة أيّام (a).


(a) كلمة غير واضحة.
(b) بياض بالمسوّدة.
(c) عبارة غير واضحة.
(١) قارن مع المقريزي: السلوك ٢٦٧: ٤، ٢٧٤ - ٢٧٥، ٢٨٢؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٣٠٥: ٢ - ٣٠٦.