للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البطيحات، فخرج ما كان فيها من الماء الذي قد تغيّر ومرّ إلى مصر، وجاء عقيبه الماء الجديد، وهو الزيادة بمصر، وحينئذ يكون الماء محمرّا لما يخالطه من الطّين الحرّ الذي تأتي به السّيول (١).

فإذا تناهت زيادته غشى أرض مصر، فتصير القرى التي في الأقاليم فوق التّلال (a) والرّوابي وقد أحاط بها الماء، فلا يتوصّل إليها إلاّ في المراكب، أو من فوق الجسور الممتدّة التي يصرف عليها - إذا عملت كما ينبغي - ربع الخراج، ليحفظ عند ذلك ماء النّيل حتى ينتهي ريّ كلّ مكان إلى الحدّ المحتاج إليه.

فإذا تكامل ريّ ناحية من النّواحي، قطع أهلها الجسور المحيطة بها من أمكنة معروفة عند خولة البلاد ومشايخها في أوقات محدودة لا تتقدّم ولا تتأخّر عن أوقاتها المعتادة، على حسب ما يشهد به قوانين كلّ ناحية من النّواحي، فتروى كلّ جهة ممّا يليها، مع ما يجتمع فيها من الماء المختصّ. ولولا إتقان ما هنالك من الجسور وحفر التّرع والخلجان، لقلّ الانتفاع بماء النّيل، كما قد جرى في زماننا هذا.

وقد حكي أنّه كان يرصد لعمارة جسور أراضي مصر في كلّ سنة ثلث الخراج، لعنايتهم في القديم بها من أجل أنّه يترتّب على عملها ريّ البلاد الذي به مصالح العباد. وستقف - إن شاء اللّه تعالى - عن قريب على ما كان من أعمال القدماء ومن بعدهم في ذلك.

وكان للمقياس في الدّول المعاصرة (b) رسوم لكنس مجاري الماء، خمسون دينارا في كلّ سنة، تطلق لابن أبي الرّدّاد.

ذكر الجسر الذي كان يعبر عليه في النّيل

اعلم أنّه كان في النّيل جسر من سفن فيما بين الفسطاط والجزيرة التي تعرف اليوم بالرّوضة، وكان فيما بين الجزيرة والجيزة أيضا جسر، في كلّ جسر منهما ثلاثون سفينة (٢).


(a) الأصل: البلاد.
(b) بولاق: الدولة الفاطمية. إلينا منها سوى الجزء الأربعين من الكتاب بالإضافة إلى نقول مطولة أوردها المقريزي وعدد آخر من المؤرخين (انظر المقدمة).
(١) انظر فيما تقدم ١٤٧.
(٢) Fu'a? d Sayyid A.، La capitale de l'Egypte،؛ pp. ٧٥ - ٧٧ وفيما يلي ٣٤٢: ١ و ١٧٠: ٢.