وعرف هذا السّوق في زمننا بالحريريّين الشّراربيين، وعرف بعضه بسوق الزّجاجيين، وكان يسكن فيه أيضا الأساكفة. فلمّا أنشأ الأمير يونس الدّوادار القيساريّة على بئر زويلة بخط البندقانيين، في أعوام بضع وثمانين وسبع مائة، نقل الأساكفة من هذا الخطّ، ونقل منه أيضا بيّاعي أخفاف النّساء إلى قيساريّته وحوانيته المذكورة (١).
سوق العنبريّين
هذا السّوق فيما بين سوق الحريريين الشّراربيّين وبين قيسارية العصفر، وهو تجاه الخرّاطين.
كان في الدّولة الفاطمية مكانه سجنا لأرباب الجرائم يعرف بحبس المعونة، وكان شنيع المنظر ضيّقا، لا يزال من يجتاز عليه يجد منه رائحة منكرة.
فلمّا كان في الدّولة التّركيّة، وصار قلاوون من جملة الأمراء الظّاهريّة بيبرس، صار يمرّ من داره إلى قلعة الجبل على حبس المعونة هذا، فيشمّ منه رائحة رديئة، ويسمع منه صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعري والقمل، فجعل على نفسه إن اللّه تعالى جعل له من الأمر شيئا أن يبني هذا الحبس مكانا حسنا. فلمّا صار إليه ملك ديار مصر والشّام، هدم حبس المعونة، وبناه سوقا أسكنه بيّاعي العنبر.
وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر نفاق، وللنّاس فيه رغبة زائدة، لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة وإن سفلت/ إلاّ ولها قلادة من عنبر، وكان يتّخذ منه المخادّ والكلل والسّتور وغيرها. وتجّار العنبر يعدّون من بياض النّاس، ولهم أموال جزيلة، وفيهم رؤساء وأجلاّء.
فلمّا صار الملك إلى الملك النّاصر محمد بن قلاوون، جعل هذا السّوق وما فوقه من المساكن وقفا على الجامع الذي أنشأه بظاهر مصر جوار موردة الحلفاء، المعروف بالجامع الجديد النّاصري، وهو جار في أوقافه إلى يومنا هذا (٢) إلاّ أنّ العنبر من بعد سنة سبعين وسبع مائة كثر فيه الغشّ حتى صار اسما لا معنى له، وقلّت رغبة النّاس في استعماله، فتلاشى أمر هذا السّوق بالنسبة لما كان.
ثم لمّا حدثت المحن بعد سنة ستّ وثمان مائة، قلّ ترفّه أهل مصر عن استعمال الكثير من العنبر، فطرق هذا السّوق ما طرق غيره من أسواق البلد، وبقيت فيه بقيّة يسيرة إلى أن خلع