للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كان - عفا اللّه عنه - عارفا خبيرا بأمر دنياه كثير الصّدقة، ووقف هذا الخان وغيره على عمل خبز يفرّق بمكّة على كلّ فقير منه في اليوم رغيفان، فعمل ذلك مدّة سنين. ثم لمّا عظمت الأسعار بمصر، وتغيّرت نقودها من سنة ستّ وثمان مائة، صار يحمل إلى مكّة مال ويفرّق بها على الفقراء (١).

[فندق طرنطاي]

هذا الفندق كان بخارج باب البحر ظاهر المقس، وكان ينزل فيه تجّار الزّيت الواردون من الشّام، وكان فيه ستة عشر عمودا من رخام، طول كلّ عمود ستة أذرع بذراع العمل في دور ذراعين، ويعلوه ربع كبير.

فلمّا كان في واقعة هدم الكنائس وحريق القاهرة ومصر في سنة إحدى وعشرين وسبع مائة، قدم تاجر بعد العصر بزيت وزن في مكسه عشرين ألف درهم نقرة، سوى أصناف أخر قيمتها مبلغ تسعين ألف درهم نقرة، فلم يتهيّأ له الفراغ من نقل الزّيت إلى داخل هذا الفندق إلى بعد عشاء (a) الآخرة. فعند (b) نصف اللّيل، وقع الحريق بهذا الفندق في ليلة ثامن (c) شهر ربيع الآخر منها، كما كان يقع في غير موضع من فعل النّصارى، فأصبح وقد احترق جميعه حتى الحجارة التي كان مبنيا بها، وحتى الأعمدة المذكورة، وصارت كلّها جيرا، واحترق علوّه، وأصبح التاجر يستعطي النّاس. وموضع هذا الفندق (d) (٢).


(a) بولاق: إلاّ بعد العشاء.
(b) بولاق: فلما كان.
(c) بولاق: من، وباريس: ليلة من.
(d) في هامش آياصوفيا: بياض ورقة ونصف.
(١) المقريزي: مسودة الخطط ٣٢ ظ.
وأضاف ابن أبي السرور البكري: «وهذا الخان اغتصبه الغوري وجعله من جملة أوقافه، وهو الآن من جملة أوقافه». (قطف الأزهار ١٧٩ ظ).
ويدلّ على موقع خان الخليلي الآن المنطقة التي تحدّ من الغرب بشارع المعز لدين اللّه (في مواجهة جامع الشيخ مطهّر والصّاغة)، ومن الشمال سكّة البادستان وشارع خان الخليلي، ومن الجنوب شارع جوهر القائد، ومن الشرق امتداد شارع خان الخليلي عند باب الغوري المعروف بباب البادستان (مسجل بالآثار برقم ٥٤). وانظر مجموعة الدراسات الصادرة عن المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة بعنوان Denoix، S.، Charle Depaule، J.et Tuchscherer، M.، Le Khan al-Khalili et ses environs.Un centre commercial et artisanal au Caire du XIII au XX siecle، I-II، Le Caire- IFAO ١٩٩٩.
(٢) المقريزي: السلوك ٢٢٦: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم -