للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر المنشأة]

اعلم أنّ خليج مصر كان يخرج من بحر النّيل فيمرّ بطريق الحمراء القصوى، وكان في الجانب الغربي من هذا الخليج عدّة بساتين من جملتها بستان عرف ببستان الخشّاب، ثم خرب هذا البستان، وموضعه الآن يعرف بالمريس.

فلمّا كان بعد الخمس مائة من سني الهجرة، انحسر النّيل عن أرض فيما بين ميدان اللّوق - الآتي ذكره في الأحكار ظاهر القاهرة إن شاء اللّه (١) - وبين بستان الخشّاب المذكور، فعرفت هذه الأرض بمنشأة الفاضل؛ لأنّ القاضي الفاضل عبد الرّحيم بن عليّ البيساني أنشأ بها بستانا عظيما كان يمير أهل القاهرة من ثماره وأعنابه، وعمّر بجانبه جامعا، وبنى حوله، فقيل لتلك الخطّة منشأة الفاضل. وكثرت بها العمارة، وأنشأ بها موفّق الدين محمد بن أبي بكر المهدوي العثماني الدّيباجي (٢) بستانا دفع له فيه ألف دينار في الأيام الظّاهرية بيبرس (a)، وكان الصّرف قد بلغ/ كلّ دينار ثمانية وعشرين درهما ونصفا. فاستولى البحر على بستان الفاضل وجامعه، وعلى سائر ما كان بمنشأة الفاضل من البساتين والدّور، وقطع ذلك حتى لم يبق لشيء منه أثر. وما برح باعة العنب بالقاهرة ومصر تنادي على العنب، بعد خراب بستان الفاضل هذا بمدّة سنين عديدة (b):

«رحم اللّه الفاضل يا عنب»، إشارة لكثرة أعناب بستان الفاضل وحسنها (٣).

وكان أكل البحر لمنشأة الفاضل هذه بعد سنة ستين وستّ مائة، وكان الموفّق الدّيباجي المذكور يتولّى خطابة جامع الفاضل الذي كان بالمنشأة، فلمّا تلف الجامع باستيلاء النّيل عليه، سأل الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا، وألحّ عليه - وكان من ألزامه - حتى قام في عمارة الجامع بمنشأة المهراني.


(a) بولاق: أيام الظاهر بيبرس.
(b) بولاق: مدة سنين.
(١) فيما يلي ١١٧: ٢.
(٢) موفق الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي بكر بن يحيى ابن أبي بكر، الأموي العثماني الديباجي المعروف بابن المهدوي خطيب جامع منشأة المهراني خارج مدينة مصر. مولده في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ٦١٤ هـ، وتوفي فجأة: وقع عن دابّة بين القاهرة ومصر ففاضت نفسه عشية الأربعاء الثالث والعشرين من شوال سنة ٦٨٥ هـ.
(المقريزي: المقفى الكبير ٤٤١: ٥).
(٣) فيما يلي ٢٩٨: ٢ ومصدر هذا الخبر فيه ابن المتوّج.