للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و «منشأة المهراني» هذه موضعها فيما بين النّيل والخليج، وفيها من الحمراء القصوى فوّهة الخليج انحسر عنها ماء النّيل قديما، وعرف موضعها بالكوم الأحمر من أجل أنّه كان يعمل فيها أقمنة الطّوب. فلمّا سأل الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا الملك الظّاهر بيبرس في عمارة جامع بهذا المكان، ليقوم مقام الجامع الذي كان بمنشأة الفاضل، أجابه إلى ذلك، وأنشأ الجامع بخطّ الكوم الأحمر كما ذكر في خبره عند ذكر الجوامع (١). فأنشأ هناك الأمير سيف الدّين بلبان المهراني دارا وسكنها، وبنى مسجدا، فعرفت هذه الخطّة به، وقيل لها منشأة المهراني، فإنّ المهراني المذكور أوّل من ابتنى فيها بعد بناء الجامع.

وتتابع النّاس في البناء بمنشأة المهراني، وأكثروا من العمائر حتى يقال إنّه كان بها فوق الأربعين من أمراء الدولة، سوى من كان هناك من الوزراء وأماثل الكتّاب وأعيان القضاة ووجوه النّاس، ولم تزل على ذلك حتى انحسر الماء عن الجهة الشرقية فخربت، وبها الآن بقيّة يسيرة من الدّور.

ويتّصل بخطّ الجامع الجديد خطّ دار النّحاس، وهو مطلّ على النّيل. «ودار النّحاس» هذه من الدّور القديمة وقد دثرت، وصار الخطّ يعرف بها. قال القضاعيّ: دار النّحاس اختطّها وردان مولى عمرو بن العاص، فكتب مسلمة بن مخلد - وهو أمير مصر - إلى معاوية يسأله أن يجعلها ديوانا، فكتب معاوية إلى وردان يسأله فيها، وعوّضه فيها دار وردان التي بسوقه الآن (٢).

وقال ربيعة: كانت هذه الدّار من خطّة الحجر من الأزد، فاشتراها عمرو بن مروان وبناها، فكانت في يد ولده، وقبضت عنهم وبيعت في الصّوافي سنة ثمان وثلاث مائة، ثم صارت إلى شمول الإخشيدي، فبناها قيساريّة وحمّاما، فصارت دار النّحاس قيساريّة شمول.

وقال ابن المتوّج: دار النّحاس خطّ نسب لدار النّحاس، وهو الآن فندق الأشراف ذو البابين:

أحدهما من رحبة أمامه، والثاني شارع بالسّاحل القديم (٣).

وبآخر هذه الشّقّة التي تطلّ على النّيل «جسر الأفرم»، وهو في طرف مصر فيما بين المدرسة المعزّيّة وبين رباط الآثار (٤)، كان مطلاّ على النّيل (a)، والآن ينحسر الماء عنه عند هبوط


(a) بولاق: النيل دائما.
(١) فيما يلي ٢٩٨: ٢.
(٢) ابن دقماق: الانتصار ٦: ٤.
(٣) نفسه ٣٦: ٤.
(٤) فيما يلي ١٦٥: ٢.