وبالفسطاط مطابخ السّكّر والصّابون ومعظم ما يجري هذا المجرى، لأنّ القاهرة بنيت للاختصاص بالجند، كما أنّ جميع زيّ الجند بالقاهرة أعظم منه بالفسطاط، وكذلك ما ينسج ويصاغ وسائر ما يعمل من الأشياء الرّفيعة السّلطانية. والخراب في الفسطاط كثير، والقاهرة أجدّ وأعمر وأكثر زحمة بسبب انتقال السّلطان إليها، وسكنى الأجناد فيها. وقد نفخ روح الاعتناء والنّموّ في مدينة الفسطاط الآن لمجاورتها للجزيرة الصّالحيّة، وكثير من الجند قد انتقل إليها للقرب من الخدمة، وبنى على سورها جماعة منهم مناظر تبهج الناظر (١)، يعني ابن سعيد ما بني على شقّة مصر من جهة النّيل.
[ذكر ما عليه مدينة مصر الآن وصفتها]
قد تقدّم من الأخبار جملة تدلّ على عظم ما كان بمدينة فسطاط مصر من المباني وكثرتها، ثم الأسباب التي أوجبت خرابها. وآخر ما رأيت من الكتب التي صنّفت في خطط مصر كتاب «إيقاظ المتغفّل واتّعاظ المتأمّل»، تأليف القاضي الرئيس تاج الدّين محمد بن عبد الوهّاب بن المتوّج الزّبيري ﵀ وقطع على سنة خمس وعشرين وسبع مائة (٢). فذكر من الأخطاط المشهورة بذاتها لعهده اثنين وخمسين خطّا، ومن الحارات اثنتي عشرة حارة، ومن الأزقّة المشهورة ستة وثمانين زقاقا، ومن الدّروب المشهورة ثلاثة وخمسين دربا، ومن الخوخ المشهورة خمسا وعشرين خوخة، ومن الأسواق المشهورة تسعة عشر سوقا، ومن الخطط المشهورة بالدور ثلاثة عشر خطّا (a)، ومن الرّحاب المشهورة خمس عشرة رحبة، ومن العقبات المشهورة إحدى عشرة عقبة، ومن الكيمان المسمّاة ستة كيمان، ومن الأقباء عشرة أقباء، ومن البرك خمس برك، ومن السّقائف خمسا وستين سقيفة، ومن القياسر/ سبع قياسر، ومن مطابخ السّكّر العامرة ستة وستين مطبخا (٣)، ومن الشّوارع ستّة شوارع، ومن المحارس عشرين محرسا، ومن الجوامع
(a) بولاق: خطة. (١) ابن سعيد: المغرب ١١؛ المقري: نفح الطيب ٣٤٢: ٢ (نقلا عن المقريزي). (٢) يتجاهل المقريزي في هذا النص اثنين من مؤلّفي الخطط اللذين كتبا بعد ابن المتوّج: إبراهيم بن أيدمر العلائي المعروف بابن دقماق والحسن بن أحمد الأوخدي (انظر مقدمة الجزء الأول ١٨ *- ١٩ *، ٥٧ *- ٦٦ *)، ونقل ابن دقماق قسما كبيرا من كتاب ابن المتوّج في كتابه «الانتصار» ١٤: ٤، ١٨، ٥٣ - ٥٩، ٧٥، ٩١ - ٩٥، ١٠٠ - ١٠٦، ١١٦. (٣) هنا حاشية بخطّ المصنف وجدت على هامش نسخته، وأدمجتها بعض النسخ في المتن، نصها: «أدركت عدّة