للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسواق القاهرة التي كانت في القصبة بسبب فقر النّاس وزيادة الغلاء والفوضى التي عمّت في فترة فرج بن برقوق (١). ويقدّر أبو المحاسن بن تغري بردي أنّ أكثر من نصف القاهرة وظواهرها قد تخرّب في أثناء الغلاء والوباء الذي صاحب أزمة سنة ٨٠٦ هـ كما فقدت فيه القاهرة نحو ثلثيّ أهلها (٢).

وعلى ذلك فإنّ المقريزي عندما دوّن أغلب مادّة كتابه، والتي كتبها على الأرجح في الفترة ما بين سنتي ٨١٨ هـ/ ١٤١٥ م و ٨٢٧ هـ/ ١٤٢٢ م قبل مجاورته بمكّة، لم يكن قد شاهد مجد القاهرة وعظمتها الذي يوضّحه لنا في كتابه وإنّما عرفه ممّا سمعه من المشائخ أو قرأه في المصادر.

فقد دوّن كتابه بعد أزمة سنة ٨٠٦ هـ/ ١٤٠٣ م والفوضى التي عرفتها البلاد في عهد فرج بن برقوق وبعد استبداد الأمير المشير جمال الدين الأستادّار بالأمر وهدمه للكثير من العمائر القديمة واستيلائه عليها وتغيير معالم المنطقة التي نعرفها اليوم بالجماليّة نسبة إليه.

[كتب الخطط بعد المقريزي]

لم تكن لكتب الخطط التي ألّفت بعد المقريزي نفس القيمة التي كانت لمؤلّف المقريزي أو لمؤلّفات سابقيه. فقد فقدت مصر استقلالها بعد الفتح العثماني سنة ٩٢٣ هـ/ ١٥١٧ م وأصبحت مجرّد ولاية في الإمبراطورية العثمانية الواسعة، كما أنّ الكتابة التاريخية تقهّقرت كثيرا ولم يشهد العصر العثماني مؤرّخين يمكن مقارنتهم بالمؤرّخين المصريين الذين ظهروا في آخر العصر المملوكي (٣). كذلك فقد تقهقر وضع مدينة القاهرة فبعد أن كانت عاصمة لدولة قويّة - هي دولة المماليك - أصبحت مجرّد مدينة بين مدن الإمبراطورية العثمانية. واكتفى المؤرّخون باستعادة معلومات خطط المقريزي واختصارها وأحيانا السّطو عليها دون أن يضيفوا إليها شيئا ذا بال حتى ألّف علي مبارك كتابه «الخطط التّوفيقيّة الجديدة» في آخر القرن التاسع عشر.


(١) المقريزي: الخطط ٩٦: ٢ - ١٠٧.
(٢) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٢: ١٣؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٦٢ - ٦٣.
(٣) راجع عن مؤرخي العصر العثماني والكتابة التاريخية في هذه الفترة، محمد أنيس: مدرسة التاريخ المصري في العصر العثماني، القاهرة - معهد الدراسات العربية العالية ١٩٦٢ وفي أبحاث الندوة الدولية لتاريخ القاهرة، القاهرة ١٩٧١، ١٠٩٧: ٣ - ١١٥٦؛ ليلى عبد اللطيف أحمد: دراسات في تاريخ ومؤرخي مصر والشام إبان العصر العثماني: القاهرة - مكتبة الخانجي ١٩٨٠.