فلمّا كان في الليلة القابلة، وقف عليّ بن عمر العدّاس للحاكم ووافقه على ما يحتاج إليه.
فوعده بإنجاز ما اتّفقا عليه، وأمره بالكتمان، وانصرف الحاكم. فلمّا أصبح ركب العدّاس إلى دار قائد القوّاد حسين بن جوهر القائد، فلقي عنده فهد بن إبراهيم، فقال له فهد: يا هذا، كم تؤذيني وتقدح فيّ عند سلطاني؟ فقال العدّاس: واللّه ما يقدح ولا يؤذيني عند سلطاني ويسعى عليّ غيرك. فقال فهد: سلّط اللّه على من يؤذي صاحبه فينا ويسعى به سيف هذا الإمام الحاكم بأمر اللّه.
فقال العدّاس: آمين، وعجّل ذلك ولا تمهله.
فقتل فهد في ثامن جمادى الآخرة وضربت عنقه، وكان له منذ نظر في الرّئاسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنى عشر يوما (١)، وقتل العدّاس بعده بتسعة وعشرين يوما. واستجيب دعاء كلّ منهما في الآخر، وذهبا جميعا، ولا يظلم ربّك أحدا. وذلك أنّ الحاكم خلع على العدّاس في رابع عشره وجعله مكان فهد، وخلع على ابنه محمد بن عليّ. فهنّأه النّاس، واستمرّ إلى خامس عشرين رجب منها. فضربت رقبة أبي طاهر محمود بن النّحوي (٢) - وكان ينظر في أعمال الشّام - لكثرة ما رفع عليه من التّجبّر والعسف. ثم قتل العدّاس في سادس شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، وأحرق بالنّار (٣).
خطّ البندقانيين
هذا الخطّ كان قديما إسطبل الجمّيزة - أحد إسطبلات الخلفاء الفاطميين (٤) - فلمّا زالت الدّولة اختطّ وصارت فيه مساكن وسوق من جملته عدّة دكاكين لعمل قسيّ البندق، فعرف الخطّ بالبندقانيين لذلك.
ثم إنّه احترق يوم الجمعة للنصف من صفر سنة إحدى وخمسين وسبع مائة، والنّاس في صلاة الجمعة، فما قضى النّاس الصّلاة إلاّ وقد عظم أمره. فركب إليه والي القاهرة والنّيران قد ارتفع
(١) وذلك في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة (ابن الصيرفي: الإشارة ٥٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٤٤: ٢). (٢) وذلك في خامس عشر شهر رجب سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة (المقريزي: اتعاظ ٤٥: ٢)؛ وراجع عن أبي الطاهر محمود بن محمد النحوي بن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ٥٨). (٣) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٨٠ - ٣٨٢؛ وقارن: اتعاظ الحنفا ٤٦: ٢. (٤) فيما تقدم ٥١٨: ٢ - ٥١٩.