وأفرد لها مالا، ووقف عليها دورا وأرضا بناحية قليوب، وشرط أن يكون فيها مدرّس مالكي ومدرّس شافعيّ ومؤدّب أطفال وغير ذلك. فكمّلها مولاه ووصيّه الكبير كافور الخصيّ الرّومي بعد وفاة أستاذه، وهي الآن عامرة.
وبلغ ابن مسلّم هذا من وفور المال وعظم السّعادة ما لم يبلغه أحد ممّن أدركناه، بحيث إنّه جاء نصيب أحد أولاده نحو مائتي ألف دينار مصرية، وكان كثير الصّدقات على الفقراء، مقترا على نفسه إلى الغاية، وله أيضا مطهرة عظيمة بالقرب من جامع عمرو بن العاص ونفعها كبير، وله أيضا دار جليلة على ساحل النيل بمصر. وكان أبوه تاجرا سفّارا بعد ما كان حمّالا، فصاهر ابن بسير، ورزق محمدا هذا من ابنته، فنشأ على صيانة، ورزق الحظّ الوافر في التّجارة وفي العبيد.
فكان يبعث أحدهم بمال عظيم إلى الهند، ويبعث آخر بمثل ذلك إلى بلاد التّكرور، ويبعث آخر إلى بلاد الحبشة، ويبعث عدّة آخرين إلى عدّة جهات من الأرض، فما منهم من يعود إلاّ وقد تضاعفت فوائد ماله أضعافا مضاعفة.
[مدرسة إينال [أثر رقم ١١٨]]
هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من باب حارة الهلاليّة بخطّ القمّاحين (a). كان موضعها في القديم من حقوق حارة المنصورة، أوصى بعمارتها الأمير الكبير سيف الدّين إينال اليوسفي، أحد المماليك اليلبغاوية، فابتدأ بعملها في سنة أربع وتسعين، وفرغت في سنة خمس وتسعين وسبع مائة (١).
(a) في المسوّدة: هي المدرسة اللطيفة التي بالقمّاحين بالشّارع بالقرب من باب حارة اليانسية (؟) وهو الأصوب. (١) لا تزال مدرسة الأمير إينال اليوسفي قائمة بشارع قصبة رضوان بالخيميّة خارج باب زويلة بجوار جامع محمود الكردي (مدرسة جمال الدّين محمود الأستادّار، فيما تقدم ٥٩٠ - ٥٩٤) وتعرف ب «جامع إينال»، على يسار المتّجه إلى المغربلين والسّروجية. وتوجد كتابة تاريخية منقوشة على أسكفّة المزيرة الواقعة على يمين مدخل المدرسة تحمل النصّ التالي: «[أنشأ هـ] ذا السّبيل المبارك من فضل اللّه تعالى المقرّ المرحوم السّيفي إينال الأتابكي الملكي الظّاهري - تغمّده اللّه برحمته - بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وسبع مائة». وراجع عن المدرسة، أبا المحاسن: المنهل الصافي -