إلى أن كان السّادس من الأنبياء النّطقاء نبيّنا محمّد ﷺ، فإنّه نطق بشريعة نسخ بها جميع الشّرائع التي جاء بها الأنبياء من قبله، وكان صاحبه وسوسه عليّ بن أبي طالب ﵁ ثم من بعد عليّ ستّة صمتوا على الشّريعة المحمّدية، وقاموا بميراث أسرارها، وهم: ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمّد بن عليّ، ثم جعفر بن محمّد، ثم إسماعيل بن جعفر الصّادق، وهو آخر الصّمت من الأئمّة المستورين.
والسّابع من النّطقاء هو صاحب الزّمان، وعند هؤلاء الإسماعيلية أنّه محمّد بن إسماعيل بن جعفر، وأنّه الذي انتهى إليه علم الأوّلين، وقام بعلم بواطن الأمور وكشفها، وإليه المرجع في تفسيرها دون غيره، وعلى جميع الكافّة اتّباعه والخضوع له والانقياد إليه والتّسليم له، لأنّ الهداية في موافقته واتّباعه، والضّلال والحيرة في العدول عنه. فإذا تقرّر ذلك عند المدعو، انتقل الدّاعي إلى الدّعوة الخامسة.
الدّعوة الخامسة -
مترتّبة على ما قبلها، وذلك أنّه إذا صار المدعو في الرّتبة الرّابعة من الاعتقاد، أخذ الدّاعي يقرّر أنّه لا بد مع كلّ إمام قائم في كلّ عصر حجج متفرّقون عليهم تقوم الأرض في جميع جهاتها، وعدّة هؤلاء الحجج أبدا اثنا عشر رجلا في كلّ زمان، كما أنّ عدد الأئمّة سبعة.
ويستدلّ لذلك بأمور: منها أنّ اللّه تعالى لم يخلق شيئا عبثا، ولا بدّ في خلق كلّ شيء من حكمة، وإلاّ فلم خلق النّجوم التي بها قوام العالم سبعة، وجعل أيضا السّموات سبعا، والأرضين سبعا، والبروج اثنى عشر، والشّهور اثنى عشر شهرا، ونقباء بني إسرائيل اثنى عشر نقيبا، ونقباء رسول اللّه ﷺ من الأنصار اثنى عشر نقيبا.
وخلق تعالى في كفّ كلّ إنسان أربع أصابع، وفي كلّ إصبع ثلاثة شقوق، تكون جملتها اثني عشر شقّا. على أنّه في كلّ يد إبهام وفي كلّ إبهام شقّان إشارة ودلالة على أنّ الإنسان بدنه كالأرض، وأصابعه كالجزائر الأربع، والشّقوق التي في الأصابع كالحجج، والإبهام الذي به قوام جميع الكفّ وسداد الأصابع، كالذي يقوم الأرض بعدد ما فيها، والشّقّان اللذان في الإبهام إشارة إلى أنّ الإمام وسوسه لا يفترقان.
ولذلك صار في ظهر الإنسان اثنتا عشرة خرزة إشارة إلى الحجج الاثنى عشر، وصار في عنقه سبع، فكان العنق عاليا على خرزات الظّهر، وذلك إشارة إلى الأنبياء النّطقاء والأئمّة السبعة، وكذلك الأثقاب السّبعة التي في وجه الإنسان العالي على بدنه وأشياء من هذا النّوع كثيرة. فإذا تمهّد عند المدعو ما دعاه إليه الدّاعي وتقرّر، نقله حينئذ إلى الدّعوة السّادسة.