للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان متقلّلا في مطعمه ومنكحه وملبسه، ولباسه البياض لا يبلغ جميع ما عليه دينارين، ويركب معه غلام وركابي، ولا يمكّن أحدا أن يصحبه، ويكثر زيارة القبور وتشييع الجنائز وعيادة المرضى، وله معروف معروف (a) في السّرّ والعلانية، وأكثر أوقاته يفطر بعد ما يتهوّر الليل.

وكان ضعيف البنية، رقيق الصّورة، له حدبة يغطّيها الطيلسان وكان فيه سوء خلق يكمد به في نفسه، ولا يضرّ أحدا به. ولأصحاب الأدب عنده نفاق، يحسن إليهم ولا يمنّ عليهم، ويؤثر أرباب البيوت والغرباء، ولم يكن له انتقام من أعدائه إلاّ بالإحسان إليهم أو بالإعراض عنهم.

وكان دخله في كلّ سنة من إقطاع ورباع وضياع خمسين ألف دينار، سوى متاجره للهند والمغرب وغيرهما.

وكان يقتني الكتب من كلّ فنّ، ويجتلبها من كلّ جهة، وله نسّاخ لا يفترون ومجلّدون لا يبطلون؛ قال لي بعض من يخدمه في الكتب، إنّ عددها قد بلغ مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، وهذا قبل موته بعشرين سنة.

وحكى لي ابن صورة الكتبي أنّ ابنه القاضي الأشرف التمس منّي أن أطلب له نسخة «الحماسة» ليقرأها، فأعلمت القاضي الفاضل، فاستحضر من الخادم «الحماسات»، فأحضر له خمسا وثلاثين نسخة، وصار ينفض نسخة نسخة ويقول: هذه بخطّ فلان، وهذه عليها خطّ فلان (١)، حتى أتى على الجميع وقال: ليس فيها ما يصلح للصّبيان، وأمرني أن أشتري له نسخة بدينار.

المدرسة الأزكشيّة

هذه المدرسة بالقاهرة على رأس السّوق الذي كان يعرف بالخروقيين، ويعرف اليوم بسويقة أمير الجيوش (b) ممّا يلي خان الرّوّاسين على يسرة السّالك إلى باب القنطرة (b) (٢). بناها الأمير سيف الدّين أياز كوج الأسدي - مملوك أسد الدّين شيركوه، وأحد أمراء السّلطان صلاح الدّين يوسف


(a) ساقطة من بولاق.
(b) (b-b) إضافة من مسوّدة الخطط.
(١) انظر عن اهتمام العلماء المسلمين بالكتب التي بخطوط مؤلّفيها أو عليها خطوط العلماء. (أيمن فؤاد: الكتاب العربي المخطوط ٩٥ - ١٤٥).
(٢) انظر فيما تقدم ٣٣٥: ٣.