تاريخ القاهرة وخططها في العصر الفاطمي وما بعده، تماما مثلما فعل مع ابن فضل اللّه العمري والنّويري والصّفدي وابن الفرات (١).
متى ألّف المقريزي كتابه؟
إنّ كتاب «المواعظ والاعتبار» هو الأثر الأكبر في مجهود حياة المقريزي العلمية، واستغرق منه تأليفه وقتا طويلا، ولم يتوقّف عن الإضافة إليه على مرّ الزّمان، بل إنّه أخذ يضيف إليه إلى عام ٨٤٣ هـ/ ١٤٣٩ م (٢)، أي إلى ما قبل وفاته بنحو عامين. فمتى بدأ المقريزي في تأليف هذا الكتاب؟
لم يشر المقريزي في مقدّمة كتابه إلى السّنة التي بدأ فيها تأليفه، ولكن من خلال فصوله والمناسبات التي ذكر فيها المقريزي تاريخ بعض الأحداث، نستطيع أن نحدّد تاريخا تقريبيا للفترة التي استغرقها تأليف كتابه الموسوعي.
لاشكّ أنّ المقريزي بدأ في تدوين كتابه بعد المحن وسنوات الخراب التي اجتاحت مصر في أعقاب سنة ٨٠٦ هـ/ ١٤٠٤ م، وهي المحنة التي لم يترك مناسبة في كتابه إلاّ وأشار إلى التّغييرات التي طرأت على معالم القاهرة بسببها. وكان من النتائج المباشرة لهذه الأزمة كتابة المقريزي رسالته الهامّة «إغاثة الأمّة بكشف الغمّة» سنة ٨٠٨ هـ/ ١٤٠٦ م. ودخلت مصر في أعقاب هذه الأزمة أيضا في فترة من الفساد السّياسي والإداري في ظلّ سلطنة النّاصر فرج بن برقوق الثانية (٨٠٨ - ٨١٥ هـ/ ١٤٠٥ - ١٤١٢ م) والذي عدّة المقريزي «أشأم ملوك الإسلام»(٣). وشهدت هذه الفترة كذلك ما قام به الأمير المشير جمال الدين الأستادّار من هدم العديد من العمائر القديمة واغتصاب عدد من الأوقاف وتغيير الكثير من معالم المدينة الفاطمية قبل وفاته مقتولا سنة ٨١١ هـ/ ١٤٠٨ م. وعلى ذلك فإنّ المقريزي عندما بدأ في تدوين كتابه كان مجد القاهرة وعظمتها - الذي لم يفتر يشيد به على صفحات كتابه - قد بدأ في الزّوال. فأراد المقريزيّ أن يسجّل للتاريخ ما كانت تذخر به هذه المدينة العظيمة التي أسّسها الفاطميون قبل أكثر من أربع مائة عام، من قصور ودور ومساجد ومدارس وأسوار ومنشآت اجتماعية أخرى عديدة.
ولا تعيننا مسوّدة المقريزي للكتاب - والتي وصلت إلينا منها قطعتين محفوظتين في متحف طوبقبو سراي باستانبول - في معرفة التاريخ الحقيقي لبداية تأليف هذا الكتاب، فقد كان المقريزيّ دائم
(١) انظر فيما يلي المقدمة ٩٨. (٢) المقريزي: الخطط ٣٣١: ٢. (٣) المقريزي: السلوك ٢٢٥: ٤.