ومع ذلك فإنّ علينا أن نتساءل إذا كان المقريزي قد استفاد باعترافه بمسوّدات الأوحدي وضمّنها في كتابه «المواعظ والاعتبار» لماذا لم يذكره بين المؤلّفين الذين اهتموا بخطط القاهرة في مقدّمة الخطط، ولماذا لم يشر إلى المواضع التي استفاد منه فيها في أثناء الكتاب؟
تفسير ذلك أنّ الأوحدي كتب مسوّدة خطط القاهرة وربّما بيّض بعضها - كما ذكر ابن حجر - في الوقت الذي كان جاره المقريزي مهتمّا بالموضوع نفسه، ويبدو أنّ الأوحدي كان حريصا على حجب مصادر معلوماته عن جاره المقريزي، فلمّا مات الأوحدي في سنة ٨١١ هـ قبل أن يتمّ كتابه ويبيّضه ظفر به المقريزي مسوّدة وأخذ في مراجعة مصادره والمكتبات التي اعتمد عليها الأوحدي، فعرف المصادر التي استخدمها ورجع إليها مباشرة وضمّن هذه النّقول مسوّدته التي وصلت إلينا متمثلة في الطّيّارات الكثيرة الموجودة بين أوراق الكتاب والهوامش المطوّلة التي أضافها على صفحاته، وكلّها نصوص نسبها إلى مصادرها الأصلية أعانت المقريزي على إعادة تبويب كتابه وزوّدته بمواد بالغة القيمة، وترجع أغلب النّصوص التي ضمّنها من كتاب الأوحدي إلى: ابن زولاق والمسبّحي وابن المأمون وابن الصّيرفي وكتاب الذّخائر والتّحف وتعليق القاضي الفاضل في المتجدّدات وكلّها متّصلة بالجزء المتعلّق بوصف القاهرة في زمن الفاطميين.
والواقع أنّ أمتع فصول كتاب «المواعظ والاعتبار» للمقريزي هو ذلك الفصل الشّيّق الذي خصّصه لذكر بناء القاهرة ووصف المدينة في زمن الفاطميين من خلال ذكر قصور خلفائهم ومناظرهم وأماكن نزههم وما كان يصاحب ذلك من نظم ورسوم ومواكب واحتفالات.
واعتمد المقريزي في هذا الوصف على مصادر أصلية فقدت جميعها منذ زمن بعيد فأضحى كتاب المقريزي بذلك هو مصدرها الوحيد تقريبا.
ويبدو أنّ هذا القسم هو نفسه القسم الذي اهتمّ به الأوحدي ولم تكن مسوّدته سوى أمشاج من النّقول ألصقت جنبا إلى جنب دون ما أي تمحيص، ولم يفعل المقريزي أكثر من أن نقل هذه النّقول التي فاتته إلى كتابه من مصادرها الأصلية ولم يجد ضرورة لذكر الأوحدي الذي لم يكن قد بيّض كتابه وأعاد النّظر فيه. ولكن الأمانة العلمية كانت تتطلّب من المقريزي أن يضيف اعترافه بأنّ اللّه أعانه بمسوّدات من خطّ الأوحدي ضمّنها كتاب «المواعظ والاعتبار» في مقدّمة هذا الكتاب بالإضافة إلى الترجمة التي أفردها للأوحدي في «درر العقود الفريدة».
وعلينا أن نلاحظ أنّ أكثر من نصف كتاب «المواعظ والاعتبار» يحدّد مواضع منشآت ويذكر أحداثا وقعت بعد وفاة الأوحدي، فما ذكرته منذ قليل لا يعني أنّ المقريزي نقل تماما مسوّدة الأوحدي بل إنّه طالعها واستفاد منها وعرف مصادرها فتتبّعها ونقل منها ولم يجد ضرورة للإشارة إلى مسوّدة الأوحدي - وهو معاصره - طالما اطّلع هو بنفسه على المصادر التي كتبت عن