وكان من خبر ذلك أنّ الخليفة الآمر بأحكام اللّه أبا عليّ منصورا لمّا قتله النّزاريّة، في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس مائة، أقام هزبر الملوك جوامرد و (a) العادل برغش الأمير أبا الميمون عبد المجيد في الخلافة كفيلا للحمل الذي تركه الآمر، ولقّب ب «الحافظ لدين اللّه»، ولبس هزبر الملوك خلع الوزارة (١). فثار الجند، وأقاموا أبا عليّ أحمد الملقّب بكتيفات - ولد الأفضل بن أمير الجيوش - في الوزارة. وقتل هزبر الملوك، واستولى كتيفات على الأمر، وقبض على الحافظ، وسجنه بالقصر مقيّدا إلى أن قتل كتيفات في المحرّم سنة ستّ وعشرين وخمس مائة (٢).
وبادر صبيان الخاصّ الذين تولّوا قتله إلى القصر، ودخلوا ومعهم الأمير يانس متولّي الباب إلى الخزانة التي فيها الحافظ، وأخرجوه إلى الشّبّاك وأجلسوه في منصب الخلافة وقالوا له: واللّه ما حرّكنا على هذا إلاّ الأمير يانس. فجازاه الحافظ بأن فوّض إليه الوزارة في الحال وخلع عليه، فباشرها مباشرة جيّدة (٣). وكان عاقلا مهابا متماسكا محافظا (b) لقوانين الدّولة. فلم يحدث شيئا، ولا خرج عمّا يعيّنه الخليفة له، إلاّ أنّه بلغه عن أستاذ من خواصّ الخليفة شيء يكرهه، فقبض عليه من القصر من غير مشاورة الخليفة، وضرب عنقه بخزانة البنود. فاستوحش منه الخليفة وخشي من زيادة معناه، وكانت هذه الفعلة غلطة منه.
ثم إنّه خاف من صبيان الخاصّ أن يفتكوا به كما فتكوا بكتيفات، فتنكّر لهم، وتخوّفوه أيضا. فركب في خاصّته وأركب العسكر، وركب صبيان الخاصّ، فكانت بينهما وقعة قبالة باب التّبّانين بين القصرين، قوي فيها يانس وقتل من صبيان الخاصّ ما يزيد على ثلاث مائة رجل من أعيانهم فيهم قتلة أبي عليّ كتيفات، وكانوا نحو الخمس مائة فارس، فانكسرت شوكتهم،
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: متمسكا متحفظا. (١) لم يقم هزّار [هزبر] الملوك جوامرد والعادل برغش، الأمير عبد المجيد خليفة وإنّما بايعوه بولاية العهد وتدبير المملكة «كفيلا لحمل منتظر في بطن أمّه». (ابن ميسر: أخبار مصر ١١٣؛ النويري: نهاية الأرب ٢٩٦: ٢٨؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٢٤٢ - ٢٤٣). (٢) انظر تفصيل هذه الأحداث التي تمّت بطريقة مخالفة لما ذكره المقريزي هنا وفيما تقدم ٣٤٩: ٢ - ٣٥٠ وفي اتعاظ الحنفا ١٣٧: ٣، عند أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية ٢٤٢ - ٢٥٣؛ Stern، S.M.، «The Succession of the Fatimid Imam al-Amir».Oriens IV (١٩٥١).pp. ١١٩ - ٢٤٣. (٣) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٣: ٣ - ١٤٤.