وجميع مياه القلعة من ماء النّيل، تنقل من موضع إلى موضع حتى تمرّ في جميع ما يحتاج إليه بالقلعة./ وقد اعتنى الملوك بعمل السّواقي التي تنقل الماء من بحر النّيل إلى القلعة عناية عظيمة.
فأنشأ الملك النّاصر محمد بن قلاوون في سنة اثنتي عشرة وسبع مائة، أربع سواق على بحر النّيل تنقل الماء إلى السّور، ثم من السّور إلى القلعة. وعمل نقّالة من المصنع الذي عمله الظّاهر بيبرس بجوار زاوية تقيّ الدّين رجب التي بالرّميلة تحت القلعة، إلى بئر الإسطبل (١).
فلمّا كانت سنة ثمان وعشرين وسبع مائة، عزم الملك النّاصر على حفر خليج من ناحية حلوان إلى الجبل الأحمر المطلّ على القاهرة، ليسوق الماء إلى الميدان الذي عمله بالقلعة، ويكون حفر الخليج في الجبل. فنزل لكشف ذلك ومعه المهندسون، فجاء قياس الخليج طولا اثنين وأربعين ألف قصبة، فيمرّ الماء فيه من حلوان حتى يحاذي القلعة، فإذا حاذاها بنى هناك حنايا (a) تحمل الماء إلى القلعة ليصير الماء بها غزيرا كثيرا دائما صيفا وشتاءا لا ينقطع ولا يتكلّف لحمله ونقله، ثم يمرّ من محاذاة القلعة حتى ينتهي إلى الجبل الأحمر، فيصبّ من أعلاه إلى تلك الأرض حتى تزرع.
وعندما أراد الشّروع في ذلك طلب الأمير سيف الدّين قطلوبك بن قراسنقر الجاشنكير، أحد أمراء الطّبلخاناه بدمشق، بعد ما فرغ من بناء القناة وساق العين إلى القدس. فحضر ومعه الصّنّاع الذين عملوا قناة عين بيت المقدس على خيل البريد، إلى قلعة الجبل فأنزلوا. ثم أقيمت لهم الجرايات والرّواتب، وتوجّهوا إلى حلوان، ووزنوا مجرى الماء، وعادوا إلى السّلطان، وصوّبوا رأيه فيما قصد، والتزموا بعمله. فقال: كم تريدون؟ قالوا: ثمانين ألف دينار؛ فقال: ليس هذا بكثير فقال: كم تكون مدّة العمل فيه حتى يفرغ؟ قالوا: عشر سنين. فاستكثر طول المدّة.
ويقال إنّ الفخر ناظر الجيش، هو الذي حسّن لهم أن يقولوا هذه المدّة، فإنّه لم يكن من رأيه عمل هذا الخليج. وما زال يخيّل للسّلطان، من كثرة المصروف عليه ومن خراب القرافة، ما