وتتبّع في كلّ سنة المراحات، من عيذاب وقوص إلى ما دونهما من البلاد، حتى يؤخذ ما بهما من الأغنام المختارة، وجلبها من بلاد النّوبة ومن اليمن. فبلغت عدّتها بعد موته ثلاثين ألف رأس سوى أتباعها، وبلغ البقل الأخضر الذي يشترى لفراخ الأوزّ في كلّ يوم خمسين درهما:
عنها زيادة على مثقالين من الذّهب.
فلمّا كانت الأيّام الظّاهرية برقوق، عمل المولد النّبوي بهذا الحوش في أوّل ليلة جمعة من شهر ربيع الأوّل في كلّ عام. فإذا كان وقت ذلك ضربت خيمة عظيمة بهذا الحوش، وجلس السّلطان وعن يمينه شيخ الإسلام سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني، (a)) ويليه الشّيخ المعتقد برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد بن رفاعة الغزّي (a) ويليه ولد شيخ الإسلام ومن دونه، وعن يسار السّلطان الشّيخ أبو عبد اللّه محمد بن سلامة التّوزري المغربي، ويليه قضاة القضاة الأربعة وشيوخ العلم، ويجلس الأمراء على بعد من السّلطان.
فإذا فرغ القرّاء من قراءة القرآن الكريم، قام المنشدون واحدا بعد واحد - وهم يزيدون على عشرين منشدا - فيدفع لكلّ واحد منهم صرّة فيها أربع مائة درهم فضّة، ومن كلّ أمير من أمراء الدّولة شقّة حرير. فإذا انقضت صلاة المغرب، مدّت أسمطة الأطعمة الفائقة فأكلت وحمل ما فيها، ثم مدّت أسمطة الحلوى السّكّريّة من الجوارشنات والعقائد ونحوها فتؤكل ويخطفها الفقهاء. ثم يكون تكميل إنشاد المنشدين ووعظهم إلى نحو ثلث اللّيل. فإذا فرغ المنشدون، قام القضاة وانصرفوا، وأقيم السّماع بقيّة اللّيل (٢). واستمرّ ذلك مدّة أيّامه، ثم أيّام ابنه الملك النّاصر فرج.
(a-a) ساقطة من بولاق. (١) المقريزي: مسودة الخطط ٦٧ ظ - ٦٨ و؛ السلوك ٤٣٣: ٢ - ٤٣٥؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١١٩: ٩ - ١٢١، ١٨٢. ويدلّ على مكان الحوش الآن القسم المنخفض من مباني القلعة في الجهة القبلية الشرقية منها، حيث موضع قاعة العدل التي أنشأها محمد علي باشا سنة ١٢٢٩ هـ/ ١٨١٤ م، والمعروفة أيضا بديوان كتخدا، ودار الضّرب القديمة (النجوم الزاهرة ١١٩: ٩ هـ ٣؛ Casanova، P.، op.cit.، p. ٦٥٣ (الترجمة العربية ١٤١ - ١٤٢)). (٢) المقريزي: السلوك ٨٩٠: ٣ - ٨٩١، وهو وصف الاحتفال بالمولد النبوي سنة ٨٠٠ هـ/ ١٣٩٨ م.