هذه البركة فيما بين اللّوق والمقس. كانت من جملة بستان ابن ثعلب. فلمّا حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج النّاصريّ من موردة البلاط، رمى ما خرج من الطّين في هذه البركة، وبنى النّاس الدّور على الخليج، فصارت البركة من ورائها، وعرفت تلك الخطّة كلها ببركة قرموط (١).
وأدركنا بها ديارا جلية تناهى أربابها في إحكام بنائها وتحسين سقوفها، وبالغوا في زخرفتها بالرّخام (a)) ودهان السّقوف بالذّهب واللازورد (a)، وغرسوا بها الأشجار، وأجروا إليها المياه من الآبار، فكانت تعدّ من المساكن البديعة النّزهة. وأكثر من كان يسكنها الكتّاب: مسلموهم ونصاراهم وهم في الحقيقة المترفون أولو النّعمة، فللّه كم حوت تلك الدّيار من حسن ومستحسن. وإنّي لأذكرها وما مررت بأزقّتها قطّ إلاّ وتبيّن لي من كلّ دار هناك آثار النّعم: إمّا روائح تقالي المطابخ، أو عبير بخور العود والنّدّ، أو نفحات الخمر، أو صوت غناء، أو دقّ هاون، ونحو ذلك ممّا يبين عن ترف سكّان تلك الدّيار ورفاهة عيشهم وغضارة نعمهم. ثم هي الآن موحشة خراب، قد هدمت تلك المنازل، وبيعت أنقاضها منذ كانت الحوادث بعد سنة ستّ وثمان مائة./ فزالت الطّرق، وجهلت الأزقّة، وانكشفت البركة، وبقي حولها بساتين خراب.
وبلغني أنّ المراكب كانت تعبر إلى هذه البركة للتنزّه، وما أحسب ذلك كان، فإنّها كانت من جملة البستان، ولم ينقل أنّه كان بقربها خليج سوى الخور، ويبعد أن يصل إليها. واللّه أعلم.
(a-a) إضافة من مسودة الخطط. (١) وردت بركة قرموط على خريطة القاهرة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨ باسم «بركة الفوّالة» K-) (١٤، ٣٤١، وكانت تستمد ماءها من الخليج النّاصري. ويدلّ على موقع هذه البركة الآن المنطقة التي تحدّ من الشمال بشارع عبد الخالق ثروت (الملكة فريدة سابقا)، وشارع قصر النيل جنوبا، وشارع جواد حسني شرقا، وشارع طلعت حرب (سليمان باشا سابقا) غربا. وردمت هذه البركة هي والبرك المحيطة بها في عهد الخديو إسماعيل عند تنظيم وتخطيط منطقة وسط البلد. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٨١: ٩ - ٨٢ هـ ٤ وتحديده عدّله محمد الششتاوي: متنزهات القاهرة ١٤٧ - ١٤٩).