للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كاتب السّرّ، وكان قد علم بذلك، ووكّل بدر الدّين حسنا البرديني - أحد نوّاب الشّافعيّة - في سماع الدّعوى وردّ الأجوبة.

فعند ما جلس البرديني للمحاكمة مع أخي جمال الدّين، نهره الأمير الكبير وأقامه، وأمر بأن يكون فتح اللّه هو الذي يدّعي عليه، فلم يجد بدّا من جلوسه. فما هو إلاّ أن ادّعى عليه أخو جمال الدّين بأنّه وضع يده على مدرسة أخيه جمال الدّين وأوقافه بغير طريق، بادر قاضي القضاة صدر الدّين عليّ بن الآدمي الحنفي، وحكم برفع يده وعود أوقاف جمال الدّين ومدرسته إلى ما نصّ عليه جمال الدّين، ونفّذ بقيّة القضاة حكمه، وانفضّوا على ذلك.

فاستولى أخو جمال الدّين وصهره شرف الدّين على حاصل كبير كان قد اجتمع بالمدرسة من فاضل ريعها ومن مال بعثه الملك الناصر إليها، وفرّقوه، حتى كتبوا كتابا اخترعوه من عند أنفسهم، جعلوه كتاب وقف للمدرسة، زادوا فيه: أنّ جمال الدّين اشترط النظر على المدرسة لأخيه شمس الدّين المذكور وذرّيته، إلى غير ذلك ممّا لفّقوه بشهادة قوم استمالوهم فمالوا. ثم أثبتوا هذا الكتاب على قاضي القضاة صدر الدّين بن الأدمي، ونفّذه بقيّة القضاة.

فاستمرّ الأمر على هذا البهتان المختلق والإفك المفترى مدّة، ثم ثار بعض صوفيّة هذه المدرسة، وأثبت محضرا بأنّ النظر لكاتب السّرّ، فلمّا ثبت ذلك، نزعت يد أخي جمال الدّين عن التّصرّف في المدرسة، وتولّى نظرها ناصر الدّين محمد بن البارزي كاتب السّرّ، واستمرّ الأمر على هذا. فكانت قصّة هذه المدرسة من أعجب ما سمع به في تناقض القضاة وحكمهم بإبطال ما صحّحوه، ثم حكمهم بتصحيح ما أبطلوه، كلّ ذلك ميلا مع الجاه، وحرصا على بقاء رئاستهم ﴿سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ﴾ [الآية ١٩ سورة الزخرف].

المدرسة الصّرغتمشيّة [أثر رقم ٢١٨]

هذه المدرسة خارج القاهرة بجوار جامع الأمير أبي العبّاس أحمد بن طولون، فيما بينه وبين قلعة الجبل (١). كان موضعها قديما من جملة قطائع ابن طولون، ثم صار عدّة مساكن فأخذها الأمير سيف الدّين صرغتمش الناصري رأس نوبة النوب وهدمها، وابتدأ في بناء


(١) أي بين الجامع وبين الطريق التي توصّل إلى قلعة الجبل.