فقدمت الأخبار بكثرة دخول النصارى، من أهل الصّعيد والوجه البحري، في الإسلام وتعلّمهم القرآن، وأنّ أكثر كنائس الصّعيد هدمت وبنيت مساجد، وأنّه أسلم بمدينة قليوب في يوم واحد أربع مائة وخمسون نصرانيّا، وكذلك بعامّة الأرياف، مكرا منهم وخديعة حتى يسخدموا في المباشرات، وينكحوا المسلمات. فتمّ لهم مرادهم، واختلطت بذلك الأنساب حتى صار أكثر الناس من أولادهم (١).
ولا يخفى أمرهم على من نوّر اللّه قلبه. فإنّه يظهر من آثارهم القبيحة، إذا تمكّنوا من الإسلام وأهله، ما يعرف به الفطن سوء أصلهم وقديم معاداة أسلافهم للدّين وحملته.
فصل (٢)
النصارى فرق كثيرة: الملكانية، والنسطورية، واليعقوبية، والبوذعانية، والمرقولية - وهم الرّهاويّون الذين كانوا بنواحي حرّان - وغير هؤلاء. فمنهم من مذهبه مذهب الحرّانيّة، ومنهم من يقول بالنور والظّلمة، والثّنويّة كلّهم يقرّون بنبوّة المسيح ﵇ ومنهم من يعتقد مذهب أرسطاطاليس.
والملكانيّة واليعقوبيّة والنسطوريّة متّفقون على أنّ معبودهم ثلاثة أقانيم، وهذه الأقانيم الثّلاثة شيء واحد، وهو جوهر قديم، ومعناه أب وابن وروح القدس إله واحد، وأنّ الابن نزل من السّماء، فتدرّع جسدا من مريم، وظهر للناس يحيى ويبرئ وينبئ، ثم قتل وصلب، وخرج من القبر لثلاث، فظهر لقوم من أصحابه، فعرفوه حقّ معرفته، ثم صعد إلى السّماء فجلس عن يمين أبيه؛ هذا الذي يجمعهم اعتقاده.
(١) راجع عن تحوّل الأقباط إلى الإسلام في العصر المملوكي البحري دراسة دونالد ليتل ودراسة قاسم عبده قاسم: أهل الذمة في مصر العصور الوسطى، ١٧١ - ١٧٩. (٢) حول فرق النصارى والفروق بينها، راجع الشهرستاني: الملل والنحل ٢٠١: ١ - ٢٠٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٧٦: ١٣ - ٢٩١؛