لم يعن هذا إنّما عنى من قتله المسلمون. فلمّا قتل عثمان، عرفت أنّ ما قال الرجل حقّ.
فلمّا فرغ القبط من صنيعهم، أمر عمرو بن العاص بطعام فصنع لهم، وأمرهم أن يحضروا لذلك، فصنع لهم الثّريد والعراق، وأمر أصحابه بلباس الأكسية واشتمال الصّمّاء والقعود على الرّكب. فلمّا حضرت الرّوم، وضعوا كراسي الدّيباج فجلسوا عليها، وجلست العرب إلى جوانبهم، فجعل الرجل من العرب يلتقم اللّقمة العظيمة من الثّريد، وينهش من ذلك اللّحم، فيتطاير على من إلى جنبه من الرّوم. فبشعت الرّوم بذلك وقالت: أين أولئك الذين كانوا أتونا قبل؟ فقيل لهم أولئك أصحاب المشورة، وهؤلاء أصحاب الحرب (١).
وقال الكنديّ: وذكر يزيد بن أبي حبيب أنّ عدد الجيش الذين كانوا مع عمرو بن العاص خمسة عشر ألفا وخمس مائة. وذكر عبد الرّحمن بن سعيد بن مقلاص أنّ الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثنا عشر ألفا وثلاث مائة، بعد من أصيب منهم في الحصار بالقتل والموت (٢).
ويقال إنّ الذين قتلوا في هذا الحصار من المسلمين دفنوا في أصل الحصن.
وذكر القضاعيّ أنّ مصر فتحت يوم الجمعة مستهلّ المحرّم سنة عشرين، وقيل فتحت سنة ستّ عشرة، وهو قول الواقدي، وقيل فتحت والإسكندرية سنة خمس وعشرين، والأكثر على أنّها فتحت قبل عام الرّمادة، وكانت الرّمادة في آخر سنة سبع عشرة وأوّل ثمان عشرة (٣).
[ذكر ما قيل في مصر هل فتحت بصلح أو عنوة]
وقد اختلف في فتح مصر فقال قوم: فتحت صلحا، وقال آخرون: إنّما فتحت عنوة. فأمّا الذين قالوا: كان فتح مصر بصلح، فإنّ حسين بن شفيّ قال: لمّا فتح عمرو بن العاص الإسكندرية بقي من الأسارى بها، ممّن بلغ الخراج وأحصى يومئذ، ستّ مائة ألف سوى النّساء والصّبيان؛ فاختلف الناس على عمرو في قسمهم، فكان أكثر المسلمين يريد قسمها. فقال عمرو: لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين؛ فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها وأنّ المسلمين طلبوا قسمها؛ فكتب إليه عمر ﵁: لا تقسمها، وذرهم يكون خراجهم
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦٠؛ ابن سعيد: المغرب ٢١ - ٢٢. (٢) الكندي: ولاة مصر ٣٢. (٣) انظر فيما تقدم ١٠.