هذه المدينة كانت في غربي النّيل على مسافة اثني عشر ميلا من مدينة فسطاط مصر، وهي أوّل مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطّوفان، وصارت دار المملكة بعد مدينة أمسوس التي تقدّم ذكرها، إلى أن أخربها بخت نصّر (١).
وقد ذكرها اللّه تعالى في كتابه العزيز بقوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ اَلْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها﴾ [الآية ١٥ سورة القصص]، قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطّبري في كتاب «جامع البيان في تفسير القرآن»: عن السّدّيّ أنّه قال: كان موسى ﵇ حين كبر يركب كمراكب فرعون ويلبس مثل ما يلبس، وكان إنّما يدعى [موسى] (a) بن فرعون. ثم إنّ فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى، فلمّا جاء موسى ﵇ قيل له إنّ فرعون قد ركب، فركب في أثره، فأدركه المقيل في أرض يقال لها منف، فدخلها نصف النّهار وقد تغلّقت أسواقها وليس في طرقها أحد، وهي التي يقول اللّه جلّ ذكره: ﴿وَدَخَلَ اَلْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها﴾ (٢).
وقال ابن عبد الحكم، عن عبد اللّه بن لهيعة: أوّل من سكن بمصر بعد أن أغرق (b) اللّه قوم نوح ﵇ بيصر بن حام بن نوح فسكن منف - وهي أوّل مدينة عمّرت بعد الغرق (c) - هو وولده، وهم ثلاثون نفسا، منهم أربعة أولاد قد بلغوا وتزوّجوا، وهم: مصر وفارق وماج وياج بنو بيصر، وكان مصر أكبرهم، فبذلك سمّيت مافه (ومافه بلسان القبط: ثلاثون).
وكانت إقامتهم قبل ذلك بسفح المقطّم، ونقروا هناك منازل كثيرة (٣).
(a) زيادة من الطبري. (b) فتوح مصر: غرّق. (c) بولاق: الطوفان. (١) كانت مدينة منف تقع في أوّل الصعيد غربي النيل، وهي تعادل الآن قرية ميت رهينة التابعة للبدرشين في سفح هضبة سقّارة، (راجع، البكري: جغرافية مصر ٦٩ - ٧٠؛ مجهول المؤلف: الاستبصار ٨٣؛ ياقوت: معجم البلدان ٢١٣: ٥ - ٢١٤؛ ابن دقماق: الانتصار ٩٢: ٤؛ القلقشندي: صبح ٣١٦: ٣؛ علي مبارك: الخطط التوفيقية ٢: ١٦ - ٤٧؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٤٢٢: ١؛ Zivie، C،.M.، Lexikon des Agyptologie art.Memphis IV، pp. ٢٣ - ٤٤; Haarmann، U.، El ٢? (art.Manf VI، pp. ٣٩٥ - ٩٩ (٢) الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن (المطبعة الميمنية ١٩٠٣)، ٢٨: ٢٠. (٣) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٩؛ المسعودي: مروج الذهب ٨٥: ٢ وأخبار الزمان ١٥٣.