للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن خرداذبه في كتاب «المسالك والممالك»: ومدينة منف هي مدينة فرعون التي كان ينزلها، واتّخذ لها/ سبعين بابا من حديد، وجعل حيطان المدينة من الحديد والصّفر. وفيها كانت الأنهار تجري من تحت سريره، وهي أربعة (١).

ويروى أنّ مدينة منف كانت قناطر وجسورا بتدبير وتقدير، حتى إنّ الماء ليجري تحت منازلها وأفنيتها فيحبسونه كيف شاءوا ويرسلونه كيف شاءوا، فذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ اَلْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الآية ٥١ سورة الزخرف].

وكان بها كثير من الأصنام لم تزل قائمة إلى أن سقطت فيما سقط من الأصنام في السّاعة التي أشار فيها النّبيّ إلى الأصنام يوم فتح مكّة، بقضيب في يده، وهو يطوف حولها ويقول: «جاء الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقا»، فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلاّ وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلاّ وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلاّ وقع.

وفي تلك السّاعة سقطت أصنام الأرض من الشّرق إلى الغرب، وبقى أصحابها متعجّبين لا يعلمون لها سببا أوجب سقوطها، وبقيت أصنام مدينة منف ساقطة من ساعته، وفيها الصّنمان الكبيران المجاوران للبيت الأخضر الذي كان به صنم العزيز، وكان من ذهب وعيناه ياقوتتان لا يقدر على مثلهما. ثم قطعت الأصنام والبيت الأخضر من بعد سنة ستّ مائة.

ويقال كانت مدينة (a) منف ثلاثين ميلا طولا في عشرين ميلا عرضا، وإنّ بعض بني يافث بن نوح عمل في أيّام مصرايم آلة تحمل الماء حتى تلقيه على أعلى سور مدينة منف. وذلك أنّه جعلها درجا مجوّفة كلّما وصل الماء إلى درجة امتلأت الأخرى، حتى يصعد الماء إلى أعلى السّور، ثم ينحطّ فيدخل جميع بيوت المدينة، ثم يخرج من موضع إلى خارج المدينة.

وكان بمنف بيت من الصّوّان الأخضر الماتع الذي لا يعمل فيه الحديد قطعة واحدة، وفيه صور منقوشة وكتابة، وعلى وجه بابه صور حيّات ناشرة صدورها لو اجتمع ألوف من النّاس على تحريكه ما قدروا لعظمه وثقله. والصّابئة تقول إنّه بيت القمر؛ وكان هذا البيت من جملة سبعة بيوت كانت بمنف للكواكب السّبعة.


(a) ساقطة من بولاق.
(١) ابن خرداذبه: المسالك والممالك ١٦١؛ وقارن ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦، وأورد المقريزي هذا النص فيما تقدم ٢٣: ١، ٧٠.