قال ابن سيده في كتاب «المحكم»: القلعة - بتحريك القاف واللاّم والعين وفتحها - الحصن الممتنع في جبل، وجمعها قلاع وقلع. وأقلعوا بهذه البلاد بنوها فجعلوها كالقلعة، وقيل القلعة - بسكون اللام - حصن مشرف، وجمعه قلوع (١).
وهذه القلعة على قطعة من الجبل، وهي تتّصل بجبل المقطّم، وتشرف على القاهرة ومصر والنّيل والقرافة. فتصير القاهرة في الجهة البحرية منها، ومدينة مصر والقرافة الكبرى وبركة الحبش في الجهة القبليّة الغربية، والنّيل الأعظم في غربيها، وجبل المقطّم من ورائها في الجهة الشّرقيّة.
وكان موضعها أوّلا يعرف بقبّة الهواء، ثم صار من تحته ميدان أحمد بن طولون، ثم صار موضعها مقبرة فيها عدّة مساجد إلى أن أنشأها السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف ابن أيّوب - أوّل الملوك بديار مصر - على يد الطّواشي بهاء الدّين قراقوش الأسدي في سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة، وصارت من بعده دار الملك بديار مصر إلى يومنا هذا.
وهي ثامن موضع صار دار المملكة بديار مصر. وذلك أنّ دار الملك كانت أوّلا قبل الطّوفان مدينة «أمسوس»، ثم صار تخت الملك بعد الطّوفان بمدينة «منف» إلى أن خرّبها بخت نصّر. ثم لمّا ملك الإسكندر بن فيليبس صار إلى مصر، وجدّد بناء الإسكندرية. فصارت دار المملكة من حينئذ، بعد مدينة منف، «الإسكندريّة» إلى أن جاء اللّه تعالى بالإسلام، وقدم عمرو بن العاص ﵁ بجيوش المسلمين إلى مصر وفتح الحصن، واختطّ مدينة «فسطاط مصر».
فصارت دار الإمارة من حينئذ بالفسطاط إلى أن زالت دولة بني أميّة وقدمت عساكر بني العبّاس