فلمّا كان يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر منها، أمر بقطع يدي كاتبه أبي القاسم عليّ ابن أحمد الجرجرائي (a) فقطعتا جميعا؛ وذلك أنّه كان يكتب عند السّيّدة الشّريفة أخت الحاكم، فانتقل من خدمتها إلى خدمة غبن (b) خوفا على نفسه من خدمتها فسخطت لذلك، فبعث إليها يستعطفها ويذكر في رقعته شيئا وقفت عليه، فارتابت منه فظنّت أنّ ذلك حيلة عليها، وأنفذت الرّقعة في طيّ رقعتها إلى الحاكم، فلمّا وقف عليها اشتدّ غضبه، وأمر بقطع يديه جميعا فقطعتا.
وقيل بل كان غبن (b) هو الذي يوصّل رقاع عقيل، صاحب الخبر، إلى الحاكم في كلّ يوم.
/ فيأخذها من عقيل وهي مختومة بخاتمه، ويدفعها لكاتبه أبي القاسم الجرجرائي (a) حتى يخلو له وجه الحاكم، فيأخذها حينئذ من كاتبه ويوقفه عليها. وكان الجرجرائي (a) يفكّ الختم ويقرأ الرّقاع (c)) ويعيد ختمها (c)، فلمّا كان في يوم من الأيّام فكّ رقعة، فوجد فيها طعنا على غبن (c) أستاذه وقد ذكر فيها بسوء، فقطع ذلك الموضع وأصلحه وأعاد ختم الرّقعة. فبلغ ذلك عقيلا صاحب الخبر، فبعث إلى الحاكم يستأذنه في الاجتماع به خلوة في أمر مهم، فأذن له وحدّثه بالخبر، فأمر حينئذ بقطع يدي الجرجرائي (a) فقطعتا. ثم بعد قطع يديه بخمسة عشر يوما في ثالث جمادى الأولى، قطعت يد غبن (b) الأخرى. وكان قد أمر بقطع يده قبل ذلك بثلاث سنين وشهر، فصار مقطوع اليدين معا.
ولمّا قطعت يده حملت في طبق إلى الحاكم، فبعث إليه بالأطباء، ووصله بألوف من الذّهب وعدّة من أسفاط ثياب، وعاده جميع أهل الدّولة. فلمّا كان ثالث عشره أمر بقطع لسانه فقطع وحمل إلى الحاكم، فسيّر إليه الأطبّاء، ومات بعد ذلك.
[جامع الأفرم]
قال ابن المتوّج: هذا الجامع بسفح الرّصد (١)، عمّره الأمير عزّ الدّين أيبك بن عبد اللّه - المعروف بالأفرم - أمير جاندار الملكي الصّالحي النّجمي، في شهور سنة ثلاث وستين وستّ مائة، لمّا عمّر المنظرة هناك، وعمّر بجوارها رباطا للفقراء وقرّرهم عدّة تنعقد بهم الجمعة، وقرّر إقامتهم
(a) بولاق: الجرجاني. (b) بولاق: عين. (c-c) ساقطة من بولاق. (١) لذلك يعرف أيضا بجامع الرّصد (ابن دقماق: الانتصار ٧٨: ٤)، وفيما يلي ٨٠٤.