ثم لمّا اختلّت أمور مصر، كان من جملة ما بطل من عوائد التّرف عمل الفوانيس في الميلاد إلاّ قليلا.
[الغطاس -]
ويعمل بمصر في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة؛ وأصله عند النّصارى أنّ يحيى ابن زكرياء ﵉ المعروف عندهم بيوحنّا المعمداني - عمّد المسيح (أي غسله) في بحيرة الأردنّ، وعندما خرج المسيح ﵇ من الماء اتّصل به روح القدس؛ فصار النّصارى لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلاّ في شدّة البرد، ويسمّونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية (١).
قال المسعوديّ: ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة الحادي عشر من طوبة. ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلاث مائة ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمّد بن طغج - أمير مصر - في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنّيل (٢)، والنّيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل، غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشّمع. وقد حضر بشاطئ النّيل في تلك اللّيلة آلاف من النّاس من المسلمين ومن النّصارى: منهم في الزّوارق، ومنهم في الدّور الدّانية من النّيل، ومنهم على سائر الشّطوط، لا يتناكرون كلّ ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذّهب والفضّة والجوهر والملاهي والعزف والقصف؛ وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدّروب، ويغطّس أكثرهم في النّيل، ويزعمون أنّ ذلك أمان من المرض ونشرة للداء (٣).
وقال المسبّحيّ في «تاريخه» من حوادث سنة سبع وستين وثلاث مائة: منع النّصارى من إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس من الاجتماع ونزول الماء وإظهار الملاهي، ونودي أنّ من عمل ذلك نفي من الحضرة (٤).
وقال: في سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة كان الغطاس، فضربت الخيام والمضارب والأسرّة في عدّة مواضع على شاطئ النّيل، ونصبت أسرّة للرّئيس فهد بن إبراهيم النّصراني كاتب الأستاذ برجوان، وأوقدت له الشّموع والمشاعل، وحضر المغنّون والملهون، وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان/ وقت الغطاس فغطّس وانصرف (٥).
(١) القلقشندي: صبح الأعشى ٤٢٦: ٢ وفيه: يقول المصريون: غطّستم صيّفتم، ونورزثم شتّيتم. (٢) انظر عنه، ابن سعيد: المغرب ١٦٠ - ١٦١. (٣) المسعودي: مروج الذهب ٦٩: ٢ - ٧٠. (٤) المسبحي: نصوص ضائعة ١٢. (٥) نفسه ١٨ - ١٩ وفيما يلي ٤٩٤: ١.