هنّ الجبال الشّامخات تكاد أن … تمتدّ فوق الأرض عن كيوانه
لو أنّ كسرى جالس في سفحها … لأجل مجلسه على إيوانه
ثبتت على حرّ الزّمان وبرده … مددا ولم تأسف على حدثانه
والشّمس في إحراقها والرّيح عن … د هبوبها والسّيل في جريانه
هل عابد قد خصّها بعبادة … فمباني الأهرام من أوثانه
أو قائل يقضي برجعى نفسه … من بعد فرقته إلى جثمانه
فاختارها لكنوزه ولجسمه … قبرا ليأمن من أذى طوفانه
أو أنّها للسّائرات مراصد … يختار راصدها أعز مكانه
أو أنّها وصفت شئون كواكب … أحكام فرس الدّهر أو يونانه
أو أنّهم نقشوا على حيطانها … علما يحار الفكر في تبيانه
في قلب رائيها ليعلم نقشها … فكر يعضّ عليه طرف بنانه
ذكر الصّنم الذي يقال له أبو الهول
هذا الصّنم (١) بين الهرمين عرف أوّلا ببلهيب، وتقول أهل مصر اليوم أبو الهول (٢).
قال القضاعيّ: صنم الهرمين، وهو «بلهوبه»، صنم كبير من حجارة فيما بين الهرمين، لا يظهر منه سوى رأسه فقط، تسمّيه العامّة ب «أبي الهول»، ويقال بلهيب، ويقال إنّه طلّسم للرّمل لئلاّ يغلب على إبليز الجيزة.
وقال في كتاب «عجائب البنيان» (٣): وعند الأهرام رأس وعنق بارزة من الأرض في غاية العظم تسمّيه الناس «أبا الهول»، ويزعمون أنّ جثّته مدفونة تحت الأرض. ويقتضي القياس [أن تكون
(١) كان أبو الهول (Sphinx) طوال العصر الإسلامي لا يظهر منه إلاّ رأسه وعنقه ولم يكشف عن كامل هيئته إلاّ في القرن العشرين، هكذا عاينه عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار ٤٩ وغيره من الرحالة (راجع، ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٢٣٨: ١ ومقالي بيكر وهارمان Becker، C.H.، El ٢? art.Abu al-Hawl I، p. ١٢٩; Haarmann، U.، «Die Sphinx Synkretistisische Volkareligiositat in Spatmittelatterlichen Islamischen Agypten»، Saeculum XXIX (١٩٧٨)،.pp. ٣٦٧ - ٨٤
(٢) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٢: ١ وبلهيب هو الاسم القبطي لأبي الهول.
(٣) هذا النص المنسوب إلى كتاب «عجائب البنيان» منقول من كتاب «الإفادة والاعتبار» لعبد اللطيف البغدادي. (انظر فيما تقدم ٣٠٠، ٣٢٥).